للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي القرآن الكريم قسمها الله تعالى إلى قسمين: عمد، وخطأ، لكن جاءت السنة بإثبات شبه العمد؛ في قصة المرأتين اللتين من هذيل اقتتلتا، فضربت إحداهما الأخرى بحَجَر، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم فيها بما سيُذكر إن شاء الله تعالى. هذا ليس عمدًا وليس خطأ، ولكنه يكون وسط بينهما؛ فيقال عنه: إنه شِبه عمد؛ لأنك إن نظرت إلى تعمد الفعل ألحقته بالعمد، وإن نظرتَ إلى أن الجناية لا تقتل ألحقته بالخطأ، فجعله العلماء مرتبةً بين مرتبتين، وسموه شبه العمد.

يقول المؤلف: (عمد يختص القود به بشرط القصد، وشِبْه عَمْد وخطأ)

(عمْد يَختص القوَد به) يعني معناه أنه لا قوَد إلا في العمد، والقوَد هو القصاص، فلا قصاصَ إلا في العمد، أما في شبه العمد والخطأ فلا قصاص فيهما، ودليل ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: ١٧٨]، وقال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥].

وهذا وإن كان مكتوبًا على أهل التوراة، لكنه شرْع لنا، بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام لأنس بن النضر: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ». حينما كسرت الرُّبَيِّع بنت النضر ثنية امرأة من الأنصار، فطالبوا بالقصاص، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» (٣).

ومعلوم أن القصاص في السِّن إنما جاء بما شُرع في التوراة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل ذلك شريعة لنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>