للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

( ... ) كانت ملة وسطًا بين ملتين؛ إحداهما غلت في القصاص، والثانية فرطت فيه، وليس معنى ذلك أننا نقول: إن هاتين الشريعتين خرجتا عما شرع الله، ولكن الله عز وجل بحكمته أوجب على هؤلاء كذا وأوجب على هؤلاء كذا، فقد ذكروا أن شريعة اليهود وجوب القصاص، وأنه لا طريق إلى العفو عن الجاني، وأن شريعة النصارى وجوب العفو عن القصاص، وأنه لا سبيل إلى القصاص، وجاءت هذه الشريعة وسطًا بين الملتين؛ فيجب القصاص ويجوز العفو، فصارت الشريعة وسطًا بين شريعتين؛ إحداهما توجب القصاص، والثانية توجب العفو؛ ولهذا قال الله تعالى في الآية: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} باعتبار إيجاب القصاص، {وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٧٨] باعتبار إيجاب العفو؛ يعني: من رحمة الله سبحانه وتعالى أن يعطي أولياء المقتول حظًّا لأنفسهم يتشفون به من القاتل؛ ولهذا قال {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}.

[باب العفو عن القصاص]

العفو عن القصاص يقول المؤلف في حكمه: (يجب بالعمد القود أو الدية) (يجب بالعمد) يعني: العمد العدوان الذي بغير حق، يجب به (القود أو الدية) و (أو) هنا للتخيير؛ ولهذا قال: (فيخير الولي بينهما) الولي من؟ ولي المقتول؛ وهم ورثته سواء كانوا واحدًا أو متعددًا، فـ (الولي) هنا اسم جنس، فيشمل ما كان واحدًا أو أكثر.

ودليل ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨]، قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} فعُلِم بذلك أن لمن له القصاص أن يعفو ويأخذ الدية؛ ولهذا قال: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}. هذا من القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>