من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ؛ إِمَّا أَنْ يُقَادَ، وَإِمَّا أَنْ يُودَى»(٥)؛ يعني: إما أن يقاد له؛ أي: المقتول، «وَإِمَّا أَنْ يُودَى» تؤدى ديته، وقوله عليه الصلاة والسلام:«بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ» صريح بأن الخيار لمن؟ لأولياء المقتول؛ لقوله:«وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ».
وعلى هذا فلا خيار للقاتل؛ لو قال القاتل: اقتلوني، أنا أريد أن يكون المال لورثتي، فإنه لا خيار له، الخيار لأولياء المقتول؛ وذلك لأن الجاني هذا معتدٍ ظالم فلا يناسب أن يُعْطَى خيارًا، وأما أولياء المقتول فهم قد اعْتُدِي عليهم وأهينت كرامتهم بقتل مورثهم، فكان لهم الخيار؛ ولهذا يقول المؤلف:(فيخير الولي بينهما). الدليل عرفتموه الآن من الكتاب والسنة.
ثم قال:(وعفوه مجانًا أفضل)(عفوه) أي: ولي المقتول، (مجانًا) أي: بدون مقابل، أفضل من أين؟ أفضل من القصاص ومن الدية.
فالمراتب إذن ثلاث؛ قصاص، دية، عفو مجانًا. هذا هو الذي يخير فيه أولياء المقتول؛ بين القصاص، أو الدية، أو العفو مجانًا.
هناك شيء رابع اختلف فيه أهل العلم؛ وهو أن يصالح عن القصاص بأكثر من الدية، وسيأتي في كلام المؤلف -إن شاء الله تعالى- ونبين ما هو الحق في ذلك.
وقول المؤلف:(عفوه مجانًا أفضل) ظاهر كلامه أنه أفضل مطلقًا، سواء كان هذا الجاني ممن عرف بالشر والفساد، أم ممن لم يعرف بذلك.
ما وجه قولنا: إن هذا ظاهر كلام المؤلف؟ لأنه أطلق، قال:(عفوه مجانًا أفضل)، ولم يفصل.
ولكن الصواب بلا شك ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن العفو إحسان، والإحسان لا يتم أن يكون إحسانًا حتى يخلو من الظلم والشر والفساد، فإذا تضمن هذا الإحسان شرًّا وفسادًا وظلمًا لم يكن إحسانًا، ولا عدلًا، وعلى هذا فإذا كان هذا القاتل ممن عُرِفَ بالشر والفساد فإن القصاص منه أفضل.