التعليل؛ أما الوكيل فإنه إنما قطعها مستندًا إلى مستندٍ شرعي؛ وهو التوكيل، وأما العافي فلأنه محسن، والله عز وجل يقول:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١]. هذا هو تعليل هذه المسألة.
فإن اقتص الوكيل بعد علمه بالعفو فهو معتدٍ ظالم؛ وتقطع يده إذا كان التوكيل في قطع يد، ويُقتل إذا كان القصاص في النفس؛ لأنه لما عفا صاحب الحق صار الجاني بعد ذلك معصومًا، فإذا جنى عليه الوكيل وقطع يده أو قتله فقد اعتدى على نفسٍ معصومة، فأُلزم بما يقتضيه ذلك العدوان.
وفي هذا دليل على أن تصرف الوكيل بعد العزل إذا لم يعلم تصرفه صحيح. والمشهور من المذهب أن تصرفه ليس بصحيح إلا في هذه الصورة؛ في هذه الصورة يقولون: إن التصرف صحيح، وما عدا ذلك فليس بصحيح.
فلو وكَّلت شخصًا يبيع لك سيارة، وبعد أن ذهب عزلته عن الوكالة، أو بعت السيارة أنت بنفسك على شخصٍ آخر، وبيعك لها عزلٌ له بالفعل؛ عزلٌ فعليٌّ، ثم إن الرجل باع السيارة قبل أن يعلم بالعزل، يقولون: إن تصرف الوكيل في هذه الحال غير صحيح، وإن بيعه باطل، ويجب أن تُرَدَّ إلى صاحبها؛ ترد السلعة إلى صاحبها، مع أنه لا فرق في الحقيقة؛ فإن هذا الرجل الذي وُكِّل في القصاص اقتص بعد أن عُزِل بالفعل ولَّا بالقول؟
طالب: بالقول.
الشيخ: لا، عُزِل بالفعل؛ لأن عفو المجني عليه هو عزلٌ له بالفعل، ما قال: عزلته، لكن لما عفا هذا هو معنى العزل؛ مثلما لو وكله في بيعها ثم باعها، لو ما قال: عزلته فإنه يكون منعزلًا بذلك.
ولكن الصحيح أن الوكيل إذا تصرف قبل أن يعلم بالعزل فتصرفه صحيح؛ لأنه مستندٌ إلى مستندٍ شرعي؛ وهو التوكيل، وأي فرقٍ بين هذه المسألة وبين المسائل الأخرى؟ وإذا كانت هذه المسألة مع عظم خطر النفوس والدماء؛ إذا كان عزله لا يعتبر عزلًا ويكون تصرفه صحيحًا، فإن كون تصرفه صحيحًا في البيع، والظاهر أنه ( ... ) وما أشبه ذلك من باب أولى؛ لأنها أقل خطرًا.