فالمذهب في هذه المسألة أصح مما ذهب إليه المؤلف؛ وهو أنه لا شيء له مطلقًا، ووجهه -كما علمتم- أنه إن عفا إلى غير شيء فهو متبرِّع، ويريد الثواب من الله، وإن عفا على مال فقد اقتنع بما صالح عليه، فلا يُعطَى أكثرَ مما أخذ، لا سيما وأنه سيأتينا أنه لا يقتص من جرح أو عضو قبل أن يبرأ، فإن فعل ثم سرت الجناية فهدرٌ، حتى المؤلف نفسه رحمه الله فيما سيأتي.
طالب:( ... ) الدية وإن عفا عن غيره، لعله وارد؟
الشيخ: ما أدري، المعروف من المذهب أنه ما له شيء مطلقًا.
طيب إذن نقول: المسألة فيها قولان لأهل العلم، أما ما ذهب إليه المؤلف فوجهه كما علمتم، ما هو؟ أنه إن صالح على غير شيء فهدرٌ، وإن صالح على مالٍ فله تمام الدية إذا سرت.
والصحيح أنه لا شيء له مطلقًا؛ لأنه إن عفا على مالٍ فقد أخذ موجب هذه الجناية وانتهى، وإن عفا على غير شيءٍ فقد رضي بالتبرع وبالأجر من الله عز وجل.
قال:(وإن وكَّل من يقتص ثم عفا، فاقتص وكيله ولم يعلم؛ فلا شيء عليهما) كيف وكَّل من يقتص؟ يعني: إنسان وجب له القصاص، سواء كان في النفس أو فيما دونها، ثم إنه عفا قبل أن ينفذ الوكيل، ولكن الوكيل لم يعلم فنفذ القصاص، فلا شيء عليهما؛ لا على المجني عليه، أو بعبارةٍ أصح: لا على العافي، سواء كان المجني عليه أو أولياؤه إذا كان قد مات، ولا على الوكيل، لماذا؟ لأن الوكيل معذور، أو لا؟
طالب: بلى.
الشيخ: وهو في قصاصه مستندٌ إلى مستندٍ شرعي؛ وهو توكيل من له الحق، وأما العافي فإنه محسن، وقد قال الله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١].
مثال ذلك: رجل جُني عليه فقُطِعت يده، وبرئت اليد، فثبت له القصاص على قاطع يده، فوكل من يقتص، قبل أن ينفذ الوكيلُ القصاصَ عفا، قال: أشهدكم أني قد عفوت عن فلان، الوكيل لم يعلم فقطع يد الجاني استنادًا إلى وكالة الرجل، فنقول: لا شيء على الوكيل، ولا شيء على العافي.