قال رحمه الله تعالى:(كتاب الديات) الديات جمع دية، والمؤلف رحمه الله عبَّر عن هذه الترجمة بقوله:(كتاب)، وقد سبق لنا أن العلماء يترجمون بـ (كتاب) و (باب) و (فصل)؛ فأما (الكتاب) فيترجمونه فيما إذا كان البحث مستقلًّا عما سبق وواسعًا فإنهم يجعلونه كتابًا، كأنه كتاب مستقل، وأما (الباب) فإنه يكون مشتملًا على مسائل مستقلة لكنه فرد من أفراد بحوث عامة، وأما (الفصل) فهو كالمسائل المعينة لما يبحث في هذا الباب، ويأتون بالفصول من أجل راحة القارئ؛ لأنه لو طال الكلام يمل، فإذا فُصِّل وجُزِّئ صار ذلك أقوى وأنشط.
(الديات) جمع دية؛ وهي المال المؤدى إلى المجني عليه أو ورثته بسبب الجناية بالمعنى الاصطلاحي التي هي التعدي على البدن بما يوجب قصاصًا أو مالًا، لا بالمعنى الأعم، وبناء على ذلك فإن الدية قد تكون للنفس، وقد تكون للأعضاء، وقد تكون للمنافع، وهي تختلف كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في هذا الباب.
والقاعدة العامة في وجوب الدية ما ذكره بقوله:(كل من أتلف إنسانًا بمباشرة أو سبب لزمته ديته) هذه القاعدة، القاعدة أن كل من أتلف إنسانًا بمباشرة أو بسبب لزمته ديته، فإن اجتمع مباشران فعليهما الدية، وإن اجتمع متسببان فعليهما الدية، وإن اجتمع مباشر ومتسبب؛ فإن كان المباشر يمكن تضمينه فعلى المباشر، وإن كان لا يمكن فعلى المتسبب.
القاعدة إذن كل من أتلف إنسانًا بمباشرة أو سبب لزمته ديته، سواء كانت الدية للبدن، أو لجزءٍ منه، أو للمنافع، فإن اجتمع مباشران فعليهما الدية، أو متسببان فعليهما الدية، أو مباشر ومتسبب؛ فإن كان المباشر ممكن تضمينه فعليه وحده، وإلا يمكن فعلى المتسبب وحده.
مثال المباشرة: أن يأخذ الإنسان آلة تقتل، فيقتل بها هذا الإنسان، سواء عمدًا أو خطأ، هذه نقول: مباشرة، أو يلقيه من شاهق، حسب ما تقدم لنا في كتاب الجنايات، هذه مباشرة.