للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجيب؛ لأنه غير مدعوّ بهذا الأذان؛ يعني لا يتابعه؛ لأنه غير مدعو بهذا الأذان. قالوا: ونجيب عن الحديث: بأن المعروف في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أن المؤذن واحد، وأنه لا يمكن أن يؤذن آخر بعد أن تؤدى الصلاة، فيُحمل الحديث على المعهود في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه لا تكرار في المؤذنين، ولكن لو أخذ أحد بعموم الحديث، وقال: إنه ذكر، وما دام الحديث عندي عامًّا فلا مانع من أن أذكر الله عز وجل، والحمد لله الذي جعل هناك دليلًا أستند عليه حتى لا يُقال: إنك مبتدِع؟

وقول المؤلف: (يُسنُّ لِسَامِعِه متابعتُه سرًّا)، صريح في أنه لو ترك الإجابة عمدًا فلا إثم عليه، وهذا هو الصحيح، وقال بعض أهل الظاهر -يعني بعض الظاهرية- قالوا: إن المتابعة واجبة، وأنه يجب على من سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول، واستدلوا بالأمر: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ»، والأصل في الأمر الوجوب، ولكن الجمهور على خلاف ذلك.

استدل الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنًا يؤذن، فقال: «عَلَى الْفِطْرَةِ» (٤)، ولم يُنقَل أنه أجابه، أو أنه تابعه، ولو كانت المتابعة واجبة لفعلها الرسول عليه الصلاة والسلام، ولنُقلت إلينا.

وعندي أن في هذا دليلًا أصرح من ذلك؛ وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث، ومن معه من الوفد: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» (٥)، أو «أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا» (٦) في حديث آخر قصة ثانية، فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>