إذن، إذا شك في نجاسة الماء فهو طهور، إذا شك في طهارة الماء المتنجِّس، فهو نجس، ما هو الدليل، وما هو التعليل؟
الدليل على ذلك حديث عبد الله بن زيد أن النبي عليه الصلاة والسلام شُكِيَ إِليه الرَّجل -وكذلك في حديث أبي هريرة- يجدُ الشيء في بطنه؛ فيُشكل عليه، هل خرج منه شيء أم لا؟ فقال:«لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»(٥).
هذا واضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرَ بالبناء على الأصل، وهو بقاء الطَّهارة حتى يسمع صوتًا أو يجدَ ريحًا.
إذن هذا الماء الطهور شككنا، هل أصيب بنجاسة أم لا؟
فنقول: لا نتجنبه حتى نتيقن أنه نجس، وهذا الماء المتنجس شككنا هل زال تغيره بالنجاسة أم لا؟
فنقول: لا نستعمله حتى نتيقن أن النجاسة زالت، هذا دليل أثري؛ يعني دليل بالأثر، كذلك عندنا دليل نظري؛ دالّ بالنظر، وهو أن الأصل بقاء الشيء، هذا الأصل، الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يتبين تغير الشيء، فهذا دليل نظري عقلي.
وبناء على ذلك إذا أصابك ماء الميزاب وأنت مارّ في السوق تقول: والله ما أدري هل هذا من المراحيض أو من غسيل الثياب؟ وهل هو من غسيل ثياب الصبيان نجسة، أو من غسيل ثياب رجال طاهرة، ويش نقول؟
طلبة: الطهارة.
الشيخ: الأصل الطهارة، طيب أنا شوفت كأن لونه متغير؟ !
طلبة:( ... ).
الشيخ: الأصل الطهارة، ولو كان متغيرًا.
قالوا: ولا يجب عليه أن يشمه أو أن يتفقده، ما هو واجب، يمشي على ما كان عليه ويكون الأصل الطهارة، وهذا كله من سعة رحمة الله عز وجل حتى لا نتكلف ونشق على أنفسنا؛ ولهذا الصَّحابة لما قالوا: يا رسول الله، إِنَّ قومًا يأتوننا باللَّحم؛ ما ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال:«سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا»(٦).