وتمدَّح سبحانه وتعالى بكونه يُطْعِم ولا يُطْعَم، فالحاجة إلى الطعام لا شك أنها نقص؛ لأن الإنسان لا يبقى بدونه، وكونه لا يأكل الطعام أيضًا نقص؛ لأن عدم أكله الطعام خروج عن الطبيعة التي خُلِق عليها، والخروج عن الطبيعة يُعْتَبَر نقصًا، إذن فالإنسان إن أكل فهو ناقص، وإن لم يأكل فهو ناقص، وهذا يتبين به كمال الله عز وجل ونقص ما سواه.
الإنسان مُضْطَرّ إلى الطعام، سواء كان مأكولًا أم مشروبًا، والأصل فيه الحِلّ، كما قال المؤلف:(الأصل فيها الحِلّ)، (الأصل فيها) أي: في الأطعمة، (الحِلّ)، وهذا أمر مُجْمَع عليه، دلَّ عليه القرآن في قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: ٢٩]، فقوله:{مَا فِي الْأَرْضِ}، (ما) اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم، كما أنه أكد ذلك العموم بقوله:{جَمِيعًا}.
فكل ما في الأرض فهو حلال لنا أكلًا وشربًا ولبسًا وانتفاعًا، ومَن ادَّعى خلاف ذلك فهو محجوج به –أي: بهذا الدليل- إلا أن يقيم دليلًا على ما ادَّعَاه، ولهذا أنكر الله عز وجل على الذين يُحَرِّمُون ما أحَلَّ من هذه الأمور فقال:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف: ٣٢].