قلنا: لأن مفسدة تركها أعظم من مفسدة تألمها يسيرًا بهذه الآلة الكالة، وتأليم الحيوان لمصلحة الإنسان وارد في الشرع، فهذا الرجل يكوي إبله يَسِمُها، وغنمه يسمها أيضًا، مع أنها تتألم بهذا، لكن لمصلحته، خوفًا من ضياعها، أو اشتباهها بماشية غيره مثلًا، وهذا الرجل يُهدي الإبل أو البقر فيُشعرها، والإشعار: هو أن ينهر الدم يجرحها في سنامها حتى يسيل الدم؛ ليعرف أنها هدي، مع أن في هذا إيلامًا لها، لكن للمصلحة الشرعية في ذلك.
المهم أن القول الراجح تحريم الذبح بالآلة الكالة، ولكن لو ذبح بها فالذبيحة حلال؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ».
لماذا؟ لسببين، نحن ما ذكرنا في الواقع، ذكرنا الدليل السمعي في المسألة الأولى ولم نذكر الدليل النظري، الذبح بالآلة الكالة.
الدليل النظري أن في ذلك إيلامًا لها بدون فائدة أو بدون حاجة في مسألة الذبح بالآلة الكالة.
هذا (أن يَحُدَّها والحيوان يبصره)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار (٤)، وأن توارى عن البهائم (٦)، أمر بأمرين؛ حد الشفرة، وأيش معنى حدها؟ سنُّها؛ يسنها حتى تكون حديدة سريعة.
وأن توارى عن البهائم، ما هو بحال حدها، حال حدها وفي غير هذه الحال أيضًا، حتى إذا أتيت لتذبحها لا تجيب السكين معك وتشوف، وارها عنها إلا عند الذبح، كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله، وهذا ظاهر الحديث، وأن توارى؛ يعني: الشفرة عن البهائم؛ لأنها هي تعرف ربَّها سبحانه وتعالى، وتسبح بحمده، وتعرف الموت؛ ولهذا تهرب، حتى إنه يوجد في بعض الإبل إذا رأت بعيرًا مذبوحًا هربت، ولا يستطيعون أن يمسكوها؛ لأنها تعرف.