والذي يظهر لي أن المؤلف لم يُرِدْ أن يبين حكمهما من حيث هو هو؛ لأن ذلك واضح، فإنه من أركان الإسلام، لكن أراد أن يقيِّد الوجوب بشروط الوجوب، فقال:(واجبان على الحر)، كأن سائلًا يسأل: على مَن يجب عليه الحج والعمرة؟ فقال:(على الحر).
أما إنهما واجبان فالمؤلف اكتفى بأن وجوبهما معلوم بالضرورة من دين الإسلام، واجبان على الحر، وضده الرقيق، وإنما لم يَجِبَا على الرقيق؛ لأنه لا مال له؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ»(١).
(المسلم) ضده الكافر، فالكافر لا يجب عليه الحج، بمعنى أننا لا نأمره بالحج، بل نأمره أولًا بالإسلام، ثم بالصلاة، ثم بالزكاة، ثم بالصيام، ثم بالحج، وإذا أسلم وجب عليه الحج.
(المكلَّف) ضده الصغير والمجنون؛ لأن المكلَّف هو البالغ العاقل، فلا يجب الحج والعمرة على صغير ولو كان عنده أموال كثيرة، ولا على مجنون ولو كان عنده أموال كثيرة؛ لأن الحج ليس من واجبات المال، بل هو من واجبات البدن.
(في عمره مرةً) يعني: لا يَجِبَان في العمر إلا مرة، وذلك نص الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:«الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ»(٢)، ولأن الحكمة والرحمة تقتضي ذلك؛ لأنه لو وجب أكثر من مرة لشق على كثير من الناس، ولا سيما في الأماكن البعيدة، ولا سيما فيما سبق من الزمان، حيث كانت وسائل الوصول إلى مكة صعبة جدًّا.
ثم لو وجب على كل واحد كل سنة لامتلأت الدنيا بهم، ولم يَكْفِهِم مِنى ولا مزدلفة ولا عرفة، ولكن من نعمة الله عز وجل ورحمته وتخفيفه أنهما لا يَجِبَانِ إلَّا مرة.