للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعيين هذه الأماكن قبل أن تُفْتَح هذه الأماكن فيه آية للرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ مضمون هذا أن هذه البلاد سوف تُفْتَح ويَحُجُّ منها المسلمون، ولهذا يقول ابن عبد القوي رحمه الله في دَالِيَّتِه المشهورة:

وَتَوْقِيتُهَا مِنْ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا

لِتَعْيِينِهَا مِنْ قَبْلِ فَتْحِ الْمُعَدَّدِ

يقول: (وهي لأهلها)، (وهي) أي: هذه المواقيت، (لأهلها)، أي: لأهل هذه المدن ولِمَنْ مَرَّ عليها من غيرهم، كما جاء به الحديث، وهذا من لطف الله عز وجل أنَّ مَنْ مَرَّ بها من غيرهم فإن ميقاته منها؛ لأنه لو أُلْزِمَ بأن يرجع إلى ميقاته الأصلي لكان في ذلك حرج ومشقة.

قال: (ومَن حج من أهل مكة فمنها) يعني: مَن حج من أهل مكة من مقيمٍ بها، أي: من مستوطن وأُفُقِيّ، (فمنها): يُحْرِم من مكة، ودليل ذلك حديث ابن عباس: «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» (٩) حتى أهل مكة من مكة.

والدليل الآخر أن الصحابة الذين حَلُّوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج أحرموا من الأبطح من أماكنهم.

(وعمرته) أي: عمرة مَن كان من أهل مكة، والمراد مَن كان فيها من أهلها أو غيرهم (من الحِلّ)، أي: لا بد أن يخرج خارج حدود الحرم.

ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عائشة أن تخرج لتعتمر من الحِلّ (١١)، والتعليل واضح؛ لأن العمرة أصلها من الزيارة، والزائر لا بد أن يأتي من مكان آخر غير مكان الْمَزُور، والمكان الآخر في الذي معنا هو الحِلّ، فيأتي إلى العمرة من الحِلّ.

وهذا هو المتعيَّن، ومَن توهم أن أهل مكة يُحْرِمُون من مكة بالعمرة فقد غلط؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لما كَلَّف النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة وأخاها عبد الرحمن أن يَخْرُجَا إلى الحِلّ، ولا سيما أن الأمر كان ليلًا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظرهما، فلما لم يفعل عُلِمَ أنه لا بد لمن أراد العمرة وهو في الحرم أن يخرج إلى الحِلّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>