وقوله:(منها) أي: من مكة، (ويجزئ من بقية الحرم) فيه حرم غير مكة؟ إي نعم؛ لأن حدود الحرم واسعة، يجزئ -مثلًا- من مزدلفة، يجزئ من منى، يجزئ مما دون التنعيم، يجزئ مما دون الحديبية، وهلم جرًّا، المهم أنه يجزئ من أي مكان من الحرم؛ وهو الذي داخل حدود الحرم.
وعُلِمَ من كلامه رحمه الله أنه لا يجزئ من الحل؛ لقوله:(من بقية الحرم) وهو أحد القولين في المسألة، والمذهب خلاف ذلك؛ أنه يجزئ من الحل.
فبناء على كلام المؤلف لو أحرم من عرفة لم يجزئه، وعلى المذهب يجزئه، ولا شك أن الأفضل أن يحرم من مقره، سواء كان في الحل أو في الحرم، متى؟ ضحى اليوم الثامن.
قال:(ويبيت بمنى) يبيت الليلة التي بعد الثامن؛ وهي ليلة التاسع، ولم يذكر المؤلف كيف يصلي؛ لأن هذا يذكر في باب صلاة أهل الأعذار، لكن نحن نذكره إن شاء الله.
يستقر في منى يوم الثامن فيصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر بقصر دون جمع؛ أما القصر فواضح لأن الإنسان مسافر، وأما الجمع فواضح أيضًا لأن الجمع إنما يسن عند وجود المشقة بعدمه، وأما مع انتفاء المشقة فإنه لا يجوز إلا إذا كان في سفر، فالصواب أن السفر يجوز فيه الجمع ولو لم يكن قد جَدَّ به السير.
هل هذا الحكم؛ القصر والجمع خاص بأهل الآفاق أو لهم ولأهل مكة؟
المذهب لا، ليس لأهل مكة قصر ولا جمع؛ لأنهم ليسوا مسافرين؛ إذ إن السفر ما بلغ ستة عشر فرسخًا؛ أربعة برد، ومقدارها بالكيلو نحو ثلاثة وثمانين كيلو، ومعلوم أن عرفة لا تبلغ ثلاثًا وثمانين كيلو، ولذلك يقولون: لا يجوز لأهل مكة أن يجمعوا في مزدلفة ولا في عرفة، ولا أن يقصروا في منى، والصحيح أن أهل مكة كغيرهم من الحجاج، لكن بشرط أن يكونوا مسافرين؛ أي خارجين عن مكة.