في يومنا هذا إذا تأمل المتأمل يجد أن منى حي من أحياء مكة؛ مختلطة، وحينئذٍ يقوى القول بأنهم لا يقصرون في منى، نعم في مزدلفة في عرفة لهم الترخص برخص السفر؛ لأنهم مسافرون، فهم يتأهبون لسفر الحج بالطعام والرحل والماء، فهم مسافرون، ولذلك كان أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا يقصرون في منى وعرفة ومزدلفة، ويجمعون في مزدلفة وعرفة، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتموا، لكن اختلف الوضع الآن.
وقال بعض أهل العلم: إن القصر والجمع في الحج ليس سببه هو السفر وإنما سببه النسك.
وعلى هذا القول فأهل مكة -الحجاج منهم- يقصرون ويجمعون في موضع الجمع، لكن هذا القول ضعيف؛ إذ لو كان سببه النسك لكانوا إذا حلوا من النسك التحلل الثاني -وهذا يمكن أن يكون يوم العيد- لم يحل لهم أن يقصروا في منى، ولو كان سببه النسك لكانوا إذا أحرموا في مكة بحج أو عمرة جاز لهم الجمع والقصر، فالقول بأنه هو للنسك ضعيف جدًّا ولا ينطبق على القواعد الشرعية.
يقول رحمه الله:(فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة، وكلها موقف إلا بطن عُرَنَة)(سار إلى عرفة) ولم يذكر النزول في نمرة، مع أن السنة جاءت به، فيسير من منى إلى نمرة؛ وهي موضع تقع جنوبًا غربًا عن عرفة، معروفة حتى الآن بهذا الاسم، هذا المكان نزله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى زالت الشمس، فلما زالت الشمس أمر بالقصواء فرُحِلَت له، ثم ركب حتى أتى بطن عُرَنَة، كما في حديث جابر في صحيح مسلم (١٠).
ذكر لي بعض الناس الذين كانوا ينزلونها، لما كان الناس قليلين قال: إن النزول بها يكسب الإنسان راحة؛ راحة نفسية عجيبة، وراحة قلبية، وراحة بدنية، وأنه ينصرف منها إلى عرفة وهو على أتم الاستعداد للوقوف بعرفة، وهذه من حكمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.