وأما قول بعضهم: كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، فهذا غير صحيح؛ لأنه دائمًا الأساليب تتنقل؛ ينتقل العلماء من أسلوب إلى آخر، ولا يأتون بـ (أما بعد)، ولكن نقول: يؤتى بها عند الدخول في صلب الموضوع الذي من أجله قدمت الخطبة مثلًا.
(أما بعد) أما إعرابها، فإعرابها من أعجب ما يكون؛ قلنا لكم: إن إعرابها هو أن نقول: (أما) نائبة عن شرط وفعل شرط، والتقدير: مهما يكن من شيء بعد ذلك فهذا مختصر، فيكون هنا (أما) بمعنى: مهما يكن من شيء، و (بعد) ظرف متعلق بـ (يكن) المحذوفة مع شرطها، مبني على الضم في محل نصب؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه، وهذه الظروف - (بعد) وأخواتها- إذا حذف المضاف إليه ونوي معناه بنيت على الضم، كما في قوله تعالى:{لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}[الروم: ٤].
(أما بعد: فهذا مختصر في الفقه)(مختصر) مفتعل، فهو اسم مفعول.
والمختصر قال العلماء: ما قلَّ لفظه وكثُر معناه؛ أي: أن لفظه قليل، لكن معناه كثير.
وقوله:(في الفقه) الفقه لغةً: الفهم، ومنه قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء: ٤٤]، وهذا النفي صحيح؛ يعني: ما نفقه تسبيحهم؟ نعم.
{قَالُوا يا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}[هود: ٩١] يعني: ما نفهم، هذا النفي صحيح؟ يظهر أنه ليس بصحيح، ولكنه جحد.