للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المؤلف رحمه الله: (ويصح النكاح وسائر العقود)، (يصح النكاح)؛ يعني عقد النكاح يصح بعد أذان الجمعة الثاني؛ لأن الله إنما نهى عن البيع، وأما النكاح فلم يُنهَ عنه؛ ولأن البيع عقد معاوضة يكثر تناوله بين الناس بخلاف النكاح.

وقوله: (وسائر العقود) ظاهر كلامه أنه يصح الرهن، والضمان، والقرض، والإجارة، وإمضاء بيع الخيار، والإقالة وغير ذلك، كل العقود تصح، ولكن الصحيح خلاف كلام المؤلف رحمه الله، وأن سائر العقود منهي عنها كالبيع.

وإنما ذكر الله البيع بحسب الواقع؛ لأن هذا هو الذي حصل؛ أن الصحابة لما وردت العير من الشام خرجوا وبدؤوا يتبايعون فيها، فتقييد الحكم بالبيع إنما هو باعتبار الواقع فقط، وإلَّا فكل ما ألهى عن حضور الجمعة فهو كالبيع ولا فرق.

فالصواب أن جميع العقود لا تصح، وأنها حرام، لا النكاح، ولا القرض، ولا الرهن، ولا غيرها.

نعم، ربما يقول قائل: إن عقود التبرعات كالهبة لا تضر؛ لأنها لا تُلهي، ولا تشغل، مثل لو أن رجلين أقبلا على المسجد، وفي حال إقبالهما أذن لصلاة الجمعة، فوهب أحدهما الآخر شيئًا، فهنا قد يُقال: إنه يصح؛ لأنه لم يحصل بذلك إشغال ولا إلهاء، لكن شيء يحتاج إلى معالجة، ونقول: إنه يصح مع أن الله نهى عن البيع، هذا فيه نظر.

عندي جملة معترضة، قال: (ويصح النكاح وسائر العقود)، نقول: الصحيح عدم الصحة، اللَّهم إلَّا في عقود التبرعات التي لا يحصل بها إشغال، فقد يقول قائل بأن ذلك صحيح ولا بأس به بشرط ألا يشغل.

قال: (ولا يصح بيع عصير ممن يَتخذه خمرًا)، قوله: (ممن) أي: على مَنْ، لا يصح بيع العصير على إنسان يريد أن يتخذه خمرًا، العصير معروف؛ عصير عنب، أو عصير تين، أو برتقال، أو غيره، اشتراه إنسان، وهو عصير -كما يقولون- طازج لأجل أن يخمره، ويتخذه خمرًا، فإن البيع لا يصح، الدليل: قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>