(الآنية): جمع إناء، وهو الوعاء، وعاء الشيء أي: إناء الشيء، يعني: الإناء هو الوعاء، وذكرها المؤلف هنا، وإن كان لها صلة بباب الأطعمة؛ لأن الأطعمة أيضًا لا تؤكل إلا بأوانٍ؛ فباب الآنية لها صلة بباب الأطعمة الذي يذكره الفقهاء في آخر الفقه، وله صلة هنا في باب المياه؛ لأن الماء -كما تعلمون- جوهر سيَّال لا يمكن حفظُه إلا بالإناء؛ فلهذا ذكروه بعد باب المياه.
ومعلوم أن من الأنسب إذا كان للشيء مناسبتان أن يُذْكَر في المناسبة الأولى؛ لأنه إذا أُخِّرَ إلى المناسبة الثانية فاتت فائدته في المناسبة الأولى لكن إذا قُدِّمَ في المناسبة الأولى لم تفت فائدته في المناسبة الثانية اكتفاء بما تقدم.
(الآنية): الأصل فيها الحِل؛ لأنها داخلة في عموم قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: ٢٩] ومنه الآنية؛ لأن الآنية من الأرض، نعم ربما يَعْرِض فيها شيء يوجِب تحريمها، كما لو اتُّخِذَت على صورة حيوان مثلًا فهنا تَحْرُم؛ لا لأنها آنية، ولكن لأنها صارت على صورة محرَّمة، وإلا فالأصل فيها الحل.
والدليل ما ذكرتُ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} هذا من القرآن، ومن السُّنَّة قول النبي صلى الله عليه وسلم:«وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ»(١)، وقال عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا»(٢).
الأصل في الأشياء الإباحة وفي العبادات التحريم إذن فالأصل فيما سَكَتَ الله عنه الحل إلا في العبادات؛ في العبادات الأصل التحريم؛ لأن العبادات طريق موصل إلى الله عز وجل؛ فإذا لم نَعْلَم أن الله وضعه طريقًا إليه حَرُم علينا أن نتَّخذه طريقًا.