نقول: يصح العقد فيما قُبض، ولا يصح فيما لم يقبض، فكم الذي يصح العقد فيه من الدينار؟ نصف الدينار، وماذا يفعل بنصفه؟ يبقى نصفه أمانةً عند البائع؛ فيكون هذا الدينار مشتركًا بين البائع وبين المشتري.
وفائدة ذلك أنه لو زاد سعر الذهب فيما بين هذه الصفقة، وبين استلام حقه إذا وجد بقية الدراهم عند الآخر، إذا تغيَّر السعر فهو على حساب مَنْ؟ على حساب صاحبه، فمثلًا لو كان حين صَرْف الدينار بالدراهم يساوي الدينار عشرة دراهم، ثم صار يساوي عشرين درهمًا، فإنه يبقى نصفُ الدينار بكم؟ بعشرة دراهم؛ لأن ما بقي من الدينار بقي عند الآخَر وديعة، ولا يصح العقد فيه.
(بطل العقد فيما لم يقبض) وجه ذلك أن القبض شرط لصحة العقد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«بِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» متى؟ «إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»(٤).
ثم قال:(والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد).
وهذه مسألة خلافية، ويترتب على الخلاف فيها عدة فروع، بل عدة مسائل، ذكرها ابن رجب رحمه الله في آخر كتاب القواعد، هل الدراهم والدنانير تتعين بالتعيين بالعقد أو لا؟
في ذلك خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: إنها لا تتعين لأن المقصود واحد، المقصود بالدينار هذا والدينار هذا واحد، إنما اختلفا في عينهما فقط، وهذا لا يدل على أن الدراهم تتعين بالتعيين بالعقد، ومنهم من قال: بل تتعين.
مثال ذلك: اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدرهم، الثوب الآن متعين ولا إشكال فيه، ولهذا لو أراد البائع أن يبدِّل الثوب لم يستطع ذلك إلا بموافقة المشتري، لكن المشتري عيَّن بهذا الدرهم، فهل يتعين هذا الدرهم؟
على الخلاف؛ منهم من قال: إنه يتعين، ومنهم من قال: إنه لا يتعين، فتنعكس الأحكام.