قال المؤلف رحمه الله تعالى:(باب السلم) السلم مأخوذ من التسليم والإسلام، ويقال: السلف، فزعم بعض العلماء أن السلف لغةُ الحجاز وأن السلم لغةُ العراق، وقال آخرون: بل هما بمعنًى واحد، ويستعمل هذا هنا وهناك، وهذا هو الصحيح؛ والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم من الحجازيين بُعث في مكة وأتى للمدينة وكلاهما من الحجاز، ومع ذلك يقول:«مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ»، فالصواب والذي عليه المحققون من أهل اللغة أنه لا فرق بينهما، وأن أسلم وأسلف بمعنًى واحد في لغة الحجاز والعراق.
فهو إذن مأخوذ من التسليم؛ وذلك لأن المسلِم يقدم الثمن إلى المسلَم إليه؛ وصورة ذلك أن تأتي لرجل -لنقول: إنه فلاح- وتقول: يا فلان، خذ هذه عشرة آلاف ريال بمئة كيلو من التمر تحِلُّ بعد سنة. فهذا هو السلم؛ لأن المشتري قدَّم الثمن، والمثمَن مؤخَّر.
والسلم جائز بالكتاب والسنة والإجماع؛ أما الكتاب فقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}[البقرة: ٢٨٢]، وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الآية على جوازه؛ لأن قوله:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} يعمُّ ما إذا كان الدين هو الثمن أو المثمَن، فإن كان الدين هو المثمن فهذا هو السلم.
أما السنة ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»(٩)، أو «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، كلاهما صحيح.