وهذا -أعني جواز السلم- هو القياس الصحيح الموافق للأصول، خلافًا لمن قال: إن السلم على خلاف الأصول؛ لأنه بيع موصوف مجهول. فيقال: هذا غلط؛ فإن السلم ينضبط بالصفات، ولهذا لا يصح السلم فيما لا ينضبط بالصفات، فكيف يصح أن يكون مخالفًا للأصول وعلى خلاف القياس، بل هو القياس والأصول؛ وذلك لأن الشريعة الإسلامية واسعة سهلة ميسَّرة، والعقود فيها من هذه الجهة أربعة أنواع، العقود أربعة أنواع: حالٌّ بحالٍّ، ومؤجَّل بمؤجل، ومؤجل ثمنُه معجَّل مُثمنُه، ومعجل مُثمنه مؤجل ثمنُه؛ هذه أربعة أنواع.
أما الحالُّ بالحال كأن تقول: اشتريت منك هذا الكتاب بعشرة ريالات، هذا حالٌّ بحال ولا إشكال فيه.
المؤجل بمؤجل أن تقول: اشتريت منك كتابًا صفته كذا وكذا تُسَلِّمنيهِ بعد سنة بعشرة ريالات مؤجلة إلى ستة أشهر، هذا لا يصح؛ لأنه بيع الكالئ بالكالئ أي المؤخَّر بالمؤخر.
الثالث: أن يُعجَّل الثمن ويؤخر المثمن وهذا هو السلم.
والرابع: أن يُعجَّل المثمن ويؤخر الثمن وهذا كثير في المعاملات.
فإذن ذكرنا الصورة الثانية أن يكون كلٌّ من الثمن والمثمن مؤجلًا وقلنا: هذا لا يصح، وهذا يقع كثيرًا بين الناس اليوم، لكنهم لا يعلمون عن حُكمه، يشتري منه الشيء مؤجَّلًا إلى مثلًا إلى سنة، ثم يعطيه الشيك مؤجَّلًا بستة أشهر، يعني: لا يقبضه إلا بعد ستة أشهر، إذن الثمن مؤجل والمثمن مؤجل، هذا لا يصح؛ لأن كلًّا منهما مؤجل، ولا بد أن يكون أحدهما مقبوضًا أو كلاهما مقبوضًا، أما مع تأجيل أحدهما فلا يصح.
فإن تأخَّر القبض بدون تأجيل، مثل أن يقول: اشتريت منك مئة صاع بُرٍّ بمئة ريال، ولم يسلمه، على أنه سيأتيه بها العصر أو غدًا أو بعد غد لكن الثمن غير مؤجل، هل يصح أو لا؟