للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا عَلِمْنا أن الشارعَ إنما رخَّص في الصلاة حيثُ كان وجْهُهُ على بعيرِهِ مِن أجْل أن يَحمِل الناس على كثرة النوافل ولا يَحْرِمَهم فنقول: هذا أيضًا في الماشي. وكثيرٌ من الناسِ المسافرين لا يجدون مركوبًا فتجدهم يمشون مع الرُّكْبانِ على أقدامهم مِن بلادهم إلى أنْ يرجعوا إلى بلادهم، وهذا شيءٌ معلومٌ يعرفه الناسُ مِن قَبْلُ لَمَّا كانوا يسافرون على الإبل.

قال: (ويَلْزمُه الركوعُ والسجودُ إليها). الماتنُ لم يُفصح بما يجب على المتنفِّلِ الراكبِ أو الماشي، بلْ ذَكَر أنه لا يَلْزمه استقبالُ القِبْلة، ولكن ماذا يستقبل؟ لم يبيِّنْ ذلك، ولكنْ قد بيَّنَت السُّنةُ هذا قبل المؤلِّف، وهو أنَّ قِبْلته جهة سَيْرِهِ، فلا بدَّ أن يكون متَّجهًا إمَّا إلى القِبْلة وإمَّا إلى جهةِ سَيْرِهِ، فلو فرضْنا أنه انحرفَ البعيرُ عن جهةِ سَيْرِهِ إلى جهةِ القِبْلة صحَّ ولَّا لا؟ صحَّ؛ لأنها هي الأصل.

ولو حَرَفَها عن جهةِ سَيْرِهِ لغير القِبْلة قال العلماء: لا يجوز؛ لأنه خَرَجَ عن استقبال القِبْلة وخَرَجَ عن استقبالِ سَيْرِهِ الذي أباحَ الشارعُ أن يكون قِبْلتَه مِن أجْل تسهيلِ سَيْرِه، فإذا عَدَلَ بها عن جهةِ سَيْرِهِ فإنها تَبْطُل، أمَّا إذا عَدَلَتْ به الدابةُ وعَصَفَتْ (٢١) به فقال بعضُ أهل العلم: إنْ طال الفَصْل بَطَلَتْ صلاتُه، وإنْ لم يطُلْ لم تَبْطُلْ صلاتُه.

والصحيح أنه إذا عَجَزَ عن ردِّها لا تَبْطُلُ مطْلَقًا؛ لأنه يدخلُ فيما سبق في العاجز عن استقبال القِبْلة؛ ماذا يصنع هذا الرجلُ الذي جَفَلَتْ (٢٢) به الدابةُ وصارتْ تمشي على غير هُدًى وهو عاجزٌ عن كَبْحِ جماحها؟ ! فالصحيحُ أنه إذا عَجَزَ لم تَبْطُل ولو طال الفَصْل.

***

ثم بيَّن المؤلفُ رحمه الله كيف يكون استقبالُ القِبْلة، وذَكَر أنه على وجهينِ:

الوجه الأوَّل: أن يُلْزَم باستقبال عَيْنِ الكعبة.

والوجه الثاني: أن يُلْزَم باستقبال الجهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>