للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لم يُطالَب به) يعني لا يحل لغريمه أن يُطالِبه، بل ولا أن يطلبه؛ دليل ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠]. وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}، لما قال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}، قال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: ٧].

إذن هذا لا يُتعرض له، ويُترك حتى يرزقه الله ويوفي دينه، هذا مَنْ؟ الذي لا يستطيع وفاء شيء من دَيْنه، ما عنده شيء أبدًا.

وبهذا نعرف أن أولئك الظلمة، الذين يُطالِبون الغرماء الذين ليس عندهم شيء، لا يخافون الله، ولا يرحمون عباد الله، لا يخافون الله؛ لأنهم عصوا الله، فالله يقول: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}، وهؤلاء لم يُنظِروه، ولم يرحموا عباد الله؛ لأنهم يُكلِّفون العبد ما لا يطيق، وربما أدى ذلك إلى حبسه؛ لأن بعض القضاة قد لا يتصرف تصرفًا حسنًا، فيحبس هذا الغريم مع أنه لا يستطيع الوفاء، وما أحسن أن نقرأ -إن شاء الله- في حاشية العنقري كلامًا لابن هبيرة.

يقول: (لم يُطالَب به، وحرُم حبسُه).

حرُم على مَنْ؟ على ولي الأمر أن يحبسه، سواء حبسه في السجن العام، أو حبسه في بيته؛ لأن الحبس لا يعني أن يكون في السجن العام، بل حتى يُحبس الإنسان في بيته ويُرسَّم عليه، ويُقال: لا تخرج من البيت، لماذا؟ لما سبق من الآيات التي ذكرناها.

قال: (ومن ماله قدْر دينه لم يُحجَر عليه).

قوله: (ومن ماله قدْر دينه) لا يعني بذلك أن يكون المال قدر الدين سواء بسواء، بل المراد: من ماله قدر دينه أو أكثر، فإنه لا يُحْجر عليه، كرجل عليه مئة درهم وبيده مئة درهم، هذا مالُه قدْر دينه، هذا لا يحجر عليه؛ لأنه لا حاجة للحجر.

رجل عليه مئة درهم وبيده مئتا درهم، يحجر عليه؟ لا يحجر عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>