أنه قال: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة. وكان الأصمعي بحراً في اللغة وأبو عبيدة أعلم منه بالأنساب والأيام والأخبار واجتمعا في مجلس الفضل بن الربيع فسأل الفضل الأصمعي فقال: كم كتابك في الخيل؟ قال قلت: جلد، قال: فسأل أبا عبيدة عن ذلك فقال: خمسون جلداً، قال: فأمر بإحضار الكتابين ثم أمر بإحضار فرس فقال لأبي عبيدة: اقرأ كتابك حرفاً حرفاً وضع يدك على موضع موضع! فقال أبو عبيدة: ليس أنا بيطاراً إنما ذا شيء أخذته وسمعته من العرب وألفته، فقال لي: يا أصمعي! قم فضع يدك على موضع موضع من الفرس! فقمت فحسرت عن ذراعي وساقي ثم وثبت فأخذت بأذني الفرس ثم وضعت يدي على ناصيته فجعلت أقبض منه على شيء شيء وأقول هذا اسمه كذا وأنشد فيه حتى بلغت حافره. قال: فأمر لي بالفرس فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبت الفرس وأتيته. وكان أحمد بن حنبل يثني على الأصمعي في السنة وعلى ابن المديني كان يثني عليه أيضاً، وكذلك يحيى بن معين. وقد ذكرنا وفاته وقيل: إنه مات سنة ست عشرة ومائتين، وقيل: سنة سبع عشرة؛ وكان قد بلغ ثمانياً وثمانين سنة ومات بالبصرة.
الأصم: بفتح الألف وصاد المهملة وتشديد الميم في أخر الكلمة، هذه صفة من كان لا يسمع من الصمم، والمشهور به في الشرق والغرب أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان بن عبد الله الأموي مولاهم المعروف بالأصم، وإنما ظهر به الصمم بعد انصرافه من الرحلة فاستحكم فيه حتى أنه كان لا يسمع نهيق الحمار، وكان أبو العباس محدث عصره بلا مدافعة فإنه حدث في الإسلام ستاً وسبعين سنة وسنأتي على ذكره بالتفصيل، ولم يختلف قط في صدقه وصحة سماعه وضبط أبيه يعقوب الوراق لها، وكان مع ذلك يرجع إلى حسن المذهب والتدين، يصلي خمس صلوات في الجماعة، وبلغني أنه أذن سبعين سنة في مسجده وكان حسن