المجلس خلوت به قلت: حدثني بأشد ما مر بك في الحجاز. قال: لا تقدر تسمعه، ولكن أحدثك ببعضه، كان معي في بعض السنين سبعون صاحب ركوةٍ، فوقع القحط في الحجاز، فماتوا عن آخرهم، وبقي معي خمسة نفرٍ، قد أثر فيهم الضرُّ، فوقع القحط في الحجاز، فماتوا عن آخرهم، وبقي معي خمسة نفر، قد أثر فيهم الضر، وبقينا سبع عشرة ليلة متوالياتٍ، لم نطعم فيها شيئاً فضعفت وأيست من الحياة، فوقع في سري أن آتي الركن وألتزمه إلى أن أموت، فحبوت إليه حبواً، ورفعت، واستندتُ إلى زمزم، فإذا أنا بأسود، على رأسه مكتلٌ كبير، وحملٌ مشويٌ، وصرةٌ كبيرة من فضة، فقال لي: أنت أبو عقال؟ قلت: نعم. فوضعه بين يدي وفرَّ، فأومأت إلى أصحابي، فأتوني حبواً، وكنت فيهم كواحد منهم.
وأبو عليّ الضرير القيرواني، بكى حتى عمي، ثم رجع إليه بصره، فبكى حتى عميّ ثانياً، وهو من كبار مشايخهم، صحب الخولاني.
وأبو عبد الله الزيات، من مشايخ المغرب، من أهل القيروان، كبير الحال، ذو حظ من السماع، عالمٌ فيه، كان هو المرجوع إليه بناحيته في علوم القوم.