للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لطيفاً صغيراً يحتاج الداخل فيه إلى الانحناء، فلما وصل القاضي أبو بكر إلى الباب فكر فعرف القصة فأدار وجهه عن الباب ودخله معكوسا وجعل ظهره في ناحية الملك فوقعت الهيبة للملك؛ وكان ورده كل ليلة عشرين ترويحة ما تركها في حضر ولا سفر، قال وكان كل ليلة إذا صلى العشاء وقضى ورده وضع الدواة بين يديه وكتب خمساً وثلاثين ورقة نصفاً من حفظه، وكان يذكر أن كتبه بالمداد أسهل عليه من الكتب بالحبر فإذا صلى الفجر دفع إلى بعض أصحابه ما صنفه في ليله فأمره بقراءته عليه وأملى عليه الزيادات فيه؛ وكان أبو بكر الخوارزمي يقول: كل مصنف إنما ينقل من كتب الناس إلى تصنيفه سوى القاضي أبي بكر فإن صدره يحوي علمه وعلم الناس، وكان أبو محمد البافي يقول: لو أوصى رجل بثلث ماله أن يدفع إلى أفصح الناس لوجب أن يدفع إلى أبي بكر الأشعري. ومات ببغداد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة، ودفن في داره ثم نقل إلى مقبرة باب حرب، ورثاه بعض الناس فقال:

أنظر إلى جبل يمشي الرجال به … وانظر إلى القبر ما يحوي من الصلف

وانظر إلى صارم الإسلام منغمداً … وانظر إلى درة الإسلام في الصدف

قال أبو الفضل المقري: مضيت أنا وأبو علي بن شاذان وأبو القاسم الأزهري إلى قبر القاضي أبي بكر الأشعري لنترحم عليه وذلك بعد موته بشهر فرفعت مصحفاً كان موضوعاً على قبره فقلت: اللهم بين لي حال القاضي أبي بكر وما الذي آل إليه أمره، ثم فتحت المصحف فوجدت مكتوباً فيه "يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون".