وجوهها عن العيون، فكشف نقابها، ومدَّ نظره إلى الفقهيات، فاجتنى أطيبَ الثمرات من فروعها، وورد مناهلها الصافية، فأجرى أحسن المسائل من ينبوعها، وأبدى من بدائعها ما فطر قلب حاسده وأكمد، وأصبح مالكًا لأزِمَّة النظر في الأحكام الشرعية، فرأينا مذهبَ الإمام أبي حنيفة يؤخذ عن الإمام أحمد، هذا إلى حلم وَسِع برأفته الرعايا، وبشاشةِ وجهٍ أكسبه أجلَّ المزايا:[من الكامل]
وإذا يشاءُ الله رحمةَ أُمةٍ ... وَلَّى أمورَهم الحليمَ الأَرْحَما
وكرمٍ أوجد المعدومَ وأغنى، وعلت كل يد منه كعبا، ولم يبق لابن زائدةَ معنى.
كم فتحت عيون التضاد في وجوه جوده فقفلت بالمكارم، وسافرت بريح ثنائه الطيب، فأثبت لها المغانم، ويفي عنها المغارم، وتنبهت لعطاياه، فأنشدها لسانُ كرمه وهي منتهية، وآخر يأتي رزقه وهو نائم، وشجاعةٍ تشهدُ مصارعُ الفرسان لشجاعتها، وتحدِّثُ ألسنةُ الصوارم بغرابتها، فكم هنالك من رماحٍ رفعت ألوية النصر بقوافلها، وأشارت إلى خفقان قلوب الأعداء من الرايات بأناملها، وسيوفٍ إذا شُهرت يوم القتال بنيت على الفتح، وقابلت شهادة المدعي لمحاكاة فعلها بالجرح، وقِسِيٍّ تطلُع أهلةً في ظُلَم القَتَام، وتقسم للعِداة من الهلاك سهامًا أيَّ سهام، فكأنها قناطرُ يَعْبُر عليها آجال البغاة، أو مناجلُ قد انحنت لتحصد أعمارَ الطغاة، إلى غير ذلك من المآثر التي شادَ بها معالمَ المجد وساد، وبنى أمرَها على الصلاح فانحسمت موادُّ الفساد، جامعِ شملِ المهتدين، قامع زيغِ المعتدين، سلطانِ الأئمة