للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهكذا قاله جرير، ولكن ما زالت الرواة قبلَنا يُصلحون للعرب أشعارهم، فقال الأصمعي: واللهِ (١)! لا رويتُه إلا هكذا (٢)؛ تصويباً لإصلاح خلف.

قال ابن المنير: والظاهرُ تصويبُ جرير، وتخطئةُ ابنِ رشيق، ومَنْ روى عنه، وإنما غَلَّطْتُ هؤلاء على أنهم أكابر؛ لما هو أكبرُ من الخلق أجمعين، وهو كتابُ الله تعالى، ومثل هذه الآية قولُه تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: ١٠٩].

فإن "قَبْلَ" في هذا وأمثاله بمعنى دون كذا؛ إذ لا يُتوقع نفادُ كلمات الله تعالى، ولا يقع أبداً، فالمراد إذاً: لنفد البحرُ، ولا (٣) تنفدُ كلمات الله (٤)، وكذلك في البيت: فيا لك يوماً خيرُه لا شرَّ بعده، بل هذا المعنى هو الأصل في "قبل"، وإنما كثر استعمالها فيما يوجد متأخراً؛ كقولك: جاءني زيدٌ قبلَ عمرٍو، وقد جاءا جميعاً، لكن أحدهما قبلَ صاحبه، فالحقيقة منها: أن الأول جاء، ولم يجيء الثاني، وكونه لم يجيء أعمُّ من كونه يجيء بعدَ ذلك، أو لا.

* * *

باب: فِي المَشِيئَةِ وَالإرادَةِ وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠] {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: ٢٦].

{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤].


(١) "والله" ليست في "ج".
(٢) وأورد هذه الحكاية: العسكري في "ديوان المعاني" (١/ ٣٥٣).
(٣) في "ج": "فلا".
(٤) في "ج": "ربي".

<<  <  ج: ص:  >  >>