لأنسِ الناسِ بها أهمُّ: إذ الأمورُ المتقادمة تتأكدُ حرمتُها في النفوس.
واستدلالُ من استدلَّ بترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أموالَ الكعبة وتوفيرها عن القسمة على إيجاب إبقاء الأجناس على ما سلب عليه، فيه نظر؛ لأنه إن كان المال المحبَّسُ على الكعبة عُني به الصرفُ في إقامة الكعبة بتقدير انهدامها - والعياذُ بالله -، فهذا ما لا يخطر بالبال؛ لأنا نعلم أن الذي يُهدي المال للكعبة لم يقصدْ ذلك، وإن كان هذا المال المحبَّسُ عليها أُريد بقاؤه لذاته، فهذا لا نظير له؛ فإن الأجناس إنما تراد لمنافعها، لا لذواتها، فلا يستدل بهذا الباب المستثنى على غيره، ألا ترى أنه لا يجوز أن يوقف داراً على أن تبقى ذاتُها غيرَ منتفَع بها؟
وإن كان المراد بالمال المذكور منفعةَ أهل الكعبة والحرم وسدنة (١) البيت، أو إرصاده لعامة المسلمين، فهذا لا يختلف في أن قسمَه على مستحقيه عملٌ بمقتضى الوفف، لا إبطالٌ له، فالحقُّ أن هذه الأموال أُريد بها بقاء ذواتها، أو تجمل الكعبة بها إقامة لأُبَّهة الإسلام، أو خرج عنها أصحابها على أن تبقى في الكعبة غير قاصدين لمعنى آخر.
وعلى كل تقدير من هذه الثلاثة: فهو تحبيس لا نظيرَ له، فلا يُقاس عليه، وهذا هو الذي رجع إليه عمر رضي الله عنه.
وعلى الجملة: فالمسألةُ اجتهادية، ومن هذه القاعدة الأموال التي تُهدى إلى المشاهد؛ كالشمع والزيت في قناديل الفضة التي يُعلم أنها لا يوقد فيها، يجري فيها هذا النوع من الاجتهاد، ويحتمل الخلاف.