للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإنما فضل واجبٌ - وهو الإنظارُ الذي تضمنه الإبراء وزيادة، وهو خصوص الإبراء - واجبًا آخر، وهو مجردُ الإنظار.

ونازعه ولدُه القاضي تاجُ الدين السبكيُّ في "الأشباه والنظائر" في ذلك، فقال: وقد يقال: الإنظارُ هو (١) تأخير الطلب مع بقاء العلقة، والإبراء زوالُ العلقة.

قلت: لو عبر بإزالة العلقة، كان أحسن.

ثم قال: فهما قسمان لا يشتمل أحدُهما على الآخر، فينبغي أن يقال في التقدير: إن الإبراء يحصِّلُ مقصودَ الإنظار وزيادةً.

قال: وهذا كله بتقدير تسليم أن الإبراء أفضلُ، وغاية ما استدل عليه بقوله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: ٢٥]، وهذا يحتمل أن يكون افتتاح كلام، فلا يكون دليلًا على أن الإبراء أفضلُ، ويتطرق من هذا إلى أن الإنظار أفضل؛ لشدة ما يقال: النظر (٢) من ألم الصبر مع تشوق القلب، وهذا فضلٌ ليس في الإبراء الذي انقطعَ فيه اليأس، فحصلت فيه راحةٌ من هذه الحيثية ليست في الإنظار، ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ" (٣).

فانظر كيف وَزَّعَ أجرَه على الأيام، يكثُر بكثرتها، ويقلُّ بقلَّتِها، ولعل سرَّه ما أبديناه، فالمُنْظِرُ ينال كلَّ يوم عوضًا (٤) جديدًا، ولا يخفى أن هذا


(١) في "ع": "وهو".
(٢) في "ع" و"ج": "المنظر".
(٣) رواه ابن ماجه (٢٤١٨)، والإمام أحمد في "المسند" (٥/ ٣٦٠)، والحاكم في "المستدرك" (٢٢٢٥)، عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه.
(٤) في "ج": "عرضًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>