للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستهلالُه صارخًا من مَسِّه تخييلٌ وتصوير؛ لطمعه فيه؛ كأنه يمسُّه ويضربُ بيده عليه، ويقول: هذا ممن أُغويه، ونحوه من التخييل قولُ ابن الرومي:

لِمَا تُؤْذِنُ الدُّنْيَا بِهِ مِنْ صُرُوفِهَا ... يَكُونُ بُكَاءُ الطفْلِ سَاعَةَ يُولَدُ

وأما (١) حقيقة المسِّ والنخس كما يتوهم أهل الحشو، فكلَّا، ولو سُلِّط إبليسُ على الناس ينخَسُهم، لامتلأت الدنيا صُراخًا وعِياطًا (٢).

قال الشيخ سعدُ الدين التفتازاني -رحمه الله-: طعنَ أولًا في الحديث بمجرد أنه لم يوافق هواه، وإلَّا، فأيُّ امتناع في أن يمس الشيطانُ المولودَ حين يولد (٣)، بحيث يصرُخ كما نرى ونسمع، ولا يكون ذلك في جميع الأوقات حتى يلزم امتلاء الدنيا بالصراخ، ولا تلك المسة للإغواء ليدفع بأنه لا يُتصور في حق المولود حين يولَد، وكفى بصحة هذا الحديث روايةُ الثقاتِ له، وتصحيحُ مثلِ البخاريِّ ومسلمٍ من غير قدحٍ من غيرهما، ثم أَوَّلَه -على تقدير الصحة- بأن المراد بالمس (٤): الطمعُ في إغوائه، واستثنى مريمَ وابنهَا؛ لعصمتهما، ولمَّا لم يخص هذا المعنى بهما، عَمَّمَ (٥) الاستثناء لكل من يكون على صفتهما (٦)، وهذا إما تكذيبٌ للحديث بعد


(١) في "ع": "وإنما".
(٢) انظر: "الكشاف" (١/ ٣٨٥).
(٣) "حين يولد" ليست في "ع".
(٤) في "ع": "بالسمع".
(٥) في "ع": "عم"، وفي "ج": "بما عم".
(٦) في "ج": "على صفتها".

<<  <  ج: ص:  >  >>