للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن جميل ما وقفت له من النثر: قوله في وصف غوطة دمشق، وقد دخلها في ثامن رمضان من سنة (٨٠٠ هـ)، قال: فتأملها المملوك، فإذا هي جنة ذات ربوة وقرار معين، وبلدةٌ تبعث محاسنُها الفكر على حسن الوصف وتُعين، وحسبك بالجامع الفارق بينها وبين سواها، والأنهار الّتي إذا ذكر قتل المحل فما أجراها، وإذا سُمع حديث الخصب فما أرواها، ما أقول إلا أن متنزهات مصر عارية من المحاسن، وهذه ذات الكسوة، ولا أن النيل احترق إلا من الأسف؛ حيث لم يُسْعِده الدهر بالصعود إلى تلك الربوة، ولا أظنُّه احمرَّ إلا خجلًا من صفاء أنهارها، ولا ناله الكسر إلا لتألمه بالانقطاع إلى سقي أزهارها، فلو رأى العاشق جبهتها، لسَلَا بمصر معشوقه، ونسي ظهور جواريه المتحببة بمقامات غصونها الممشوقة، ولو تطاولت المجنونة إلى المفاخرة، لتأخرت إلى خلفها متخبلة، وأحجمت عن الإقدام حين تحركت لها بدمشق السلسلة، وحق مصر أن لا تجري حديث المفاخرة في وهمها، وأن تتقي شر المنازعة قبل أن تصاب هذه البلدة بسهمها، فسقى الله منتزهاتها الّتي طرب المملوك برؤية حبكها، وطالما اهتزت له المعاطف على السماع، ورأى بها كلّ نهر ذاب عنه الجليد، فانعقد على حلاوة شكره الإجماع.

تروع حصاهُ حاليةَ العذارى ... فتلمسُ جانبَ العقدِ النظيمِ (١)

* * *


(١) انظر: "مطالع البدور" للغزولي (١/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>