للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ، لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ".

(خلقَ الله الرّحمةَ يومَ خلقها مئةَ رحمة): اعلمْ أنه يجوز عند المتكلمين في تأويل ما لا يسوغ نسبته إلى الله تعالى على حقيقته اللغوية وجهان:

أحدهما: الحملُ على الإرادة، فيكون من صفات الذات.

والآخر: الحملُ على فعل الإكرام، فيكون من صفات الأفعال؛ كالرحمة، فإنها في اللُّغة مشتقة من الرّحم، وحاصلها رقَّةٌ طبيعيةٌ وميلٌ جِبِلِّيٌّ، وهذا مستحيلٌ في حق الباري (١) - سبحانه وتعالى -، فمنهم من يحملها على إرادةِ الخير، ومنهم من يحملها على فعل الخير.

ثمّ بعد ذلك يتعين أحدُ التأويلين في بعض السياقات لمانعٍ يمنع من الآخر، مثالُه ها هنا، فيتعين تأويلُ الرحمة بفعل الخير؛ لتكون صفةَ فعل، فتكونَ حادثةً عند الأشعريِّ، فيتسلَّطُ الخلق عليها، ولا يصحُّ هنا تأويلُها بالإرادة؛ لأنها إذ ذاك من صفات الذات، فتكون قديمة، فيمتنع تعلُّق الخلق بها، ويتعين تأويلُها بالإرادة في قوله تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: ٤٣]؛ لأنك لو حملتها على الفعل؛ لكان العصمة بعينها، فيكون استثناء الشيء من نفسه، فكأنك قلت: لا عاصم إِلَّا العاصم (٢)، فتكون الرحمةُ الإرادةَ، والعصمةُ على بابها؛ لفعل المنع من المكروهات، كأنه قال: لا يمنع من المحذور إِلَّا من أراد السلامة، فتأمل.


(١) في "ع": "والباري"، وفي "م": "من الباري".
(٢) في "ع": "إِلَّا لعاصم"، وفي "ج": "إِلَّا بعاصم".

<<  <  ج: ص:  >  >>