وقد تباينت مناهج الشراح في تصانيفهم تلك؛ فمنهم من نحا إلى التطويل، وأودعَ فيه الكثيرَ من التحقيقات والأبحاث.
ومنهم من آثر الاختصار في كلامه على الحديث، ورَشَحه بالفوائد والنكات، وما أشكل من مفردات الألفاظ.
ومنهم من قصد التوسط، ورصّعه بالاستنباطات وفوائد الفوائد الماتعة.
وكان الإمام المحقق، والنحوي المدقق، القاضي بدر الدين الدماميني، المتوفى سنة (٨٢٧ هـ) من أولئك الأئمة الذين خاضوا غِمار هذا الصّحيح، وولجوا أغواره، مُبرزين درره وثماره، سالكًا فيه مسلك الاختصار، مؤثرًا التعليق والإيجاز في الحديث، على البسط والإكثار، علَّق فيه على أكثر من ثلاثة آلاف حديث من "الصّحيح"، بعبارة حسنة وقول فصيح، اشتملت على بيانِ لفظٍ غريب، وإعراب مشكل، وضبط راوٍ يُخشى في لفظِ ورَسْمِ اسمه التحريف، وفي ضبطه التصحيف، وبيان الأعلام المبهمة، إلى غير ذلك من المباحث اللغوية والنحوية الأنيقة، والتحقيقات الفقهية والأصولية الدقيقة.
فدونك -أيها القارئ- نكتًا ساطعة الأنوار، عالية المقدار، ماحية ظلم المشكلات البهيمة، هادية إلى أوضح الطرق المستقيمة، يعرف قدرها من تصفح الكتاب، وينظر المنصف بعين الاستحسان إذا لمح بعضًا من فوائده المنثورة في الكتب والأبواب (١).
وقد تمَّ -بحمد الله- التقديم لهذا السِّفر النَّفْيس بفصول ثلاثة: