وَصَرَّحُوا أَنَّهَا بِدُونِهَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا، وَبِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَفِي التَّوَضُّؤِ بِسُؤْرِ حِمَارٍ وَنَبِيذِ تَمْرٍ كَالتَّيَمُّمِ.
وَبِأَنَّ وَقْتَهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلرُّسْغَيْنِ لِيَنَالَ ثَوَابَ السُّنَنِ.
ــ
[رد المحتار]
بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ أَنَّ كُلَّ وُضُوءٍ تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَالتَّيَمُّمِ لِمَسِّ مُصْحَفٍ، فَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ الْمُطْلَقِ، تَأَمَّلْ. هَذَا، وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ امْتِثَالُ أَمْرٍ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ إذْ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ وَشَرْطُهَا فَرْضٌ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. اهـ. وَأَجَابَ ط بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَهُوَ إحْدَى الثَّلَاثِ الَّتِي الْمَنْدُوبُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ. اهـ.
أَقُولُ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْحَدَثُ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.
بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ لَا يَنْوِي إزَالَةَ الْحَدَثِ وَلَا إبَاحَةَ الصَّلَاةِ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يَنْوِيَ التَّجْدِيدَ، فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ عِبَادَةً كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ.
أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ التَّجْدِيدَ لَيْسَ عِبَادَةً لَا تَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَنْوِي الْوُضُوءَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ تَكْفِي أَوْ يَنْوِي امْتِثَالَ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ (قَوْلُهُ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ بِدُونِهَا) أَيْ الْوُضُوءَ بِدُونِ النِّيَّةِ لَيْسَ عِبَادَةً، وَذَلِكَ كَأَنْ دَخَّلَ الْمَاءَ مَدْفُوعًا أَوْ مُخْتَارًا لِقَصْدِ التَّبَرُّدِ أَوْ لِمُجَرَّدِ إزَالَةِ الْوَسَخِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا نِزَاعَ لِأَصْحَابِنَا أَيْ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، إنَّمَا نِزَاعُهُمْ فِي تَوَقُّفِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَأَشَارَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ إلَى هَذَا.
وَقَالَ الدَّبُوسِيُّ فِي أَسْرَارِهِ: وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ الْوُضُوءِ يَتَأَدَّى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ عِبَادَةٌ، وَالْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: لَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ، لَكِنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الطَّهَارَةُ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِالطَّبْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا) أَيْ إثْمًا يَسِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَشْفِ، وَالْمُرَادُ التَّرْكُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ رَادًّا عَلَى الْقُدُورِيِّ حَيْثُ جَعَلَهَا مُسْتَحَبَّةً.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهَا فَرْضٌ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَبِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ عِبَادَةً لَا مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّ تَارِكَ النِّيَّةِ لَا يُعَاقَبُ عِقَابَ تَرْكِ الْفَرْضِ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ انْتِقَاءَ الْمَلْزُومِ، وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ فَرْضًا إلَّا إذَا كَانَ شَرْطَ الصِّحَّةِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ عِبَادَةً فَقَطْ. اهـ. ح يُؤَيِّدُهُ أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ كَمَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ بِشَرْطٍ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَقِيلَ: يُثَابُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِسُؤْرِ حِمَارٍ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْوِقَايَةِ مَعْزِيًّا لِلْكِفَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَاخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَحْوَطَ الْقَوْلُ بِلُزُومِ النِّيَّةِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَنَبِيذِ تَمْرٍ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ فَهُوَ كَالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِهِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَنْتَقِضُ بِهِ إذَا وُجِدَ، ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا فَتْحٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ مَعَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ ` الْمَاءِ، كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ وَقْتَهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّهُ بِدُونِهَا (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ) أَيْ النِّيَّةُ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْأَشْبَاهِ يَكُونُ بِالْبَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ يَكُونُ وَقْتُهَا،