(وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ) وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عَلَى) ظَاهِرِ (الْمَذْهَبِ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ
ــ
[رد المحتار]
فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى كَلَامِهِ. كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَتْ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ لَيْلًا وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدَّهْرِ مَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا سَنَةَ أَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ رَمَضَانُ تِلْكَ السَّنَةِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ التَّالِيَةَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ بِشَهَادَةِ جَمَاعَةٍ رَأَوْهُ مِنْ مَنَارَةِ جَامِعِ دِمَشْقَ وَكَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَأَثْبَتَ الْقَاضِي الشَّهْرَ بِشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ فَزَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْإِثْبَاتَ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ نَهَارَ الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُورِ، تَعَاهَدَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ عَلَى نَقْدِ هَذَا الْحُكْمِ فَلَمْ يَقْدِرُوا وَأَوْقَعُوا التَّشْكِيكَ فِي قُلُوبِ الْعَوَّامِ ثُمَّ صَامُوا يَوْمَ عِيدِ النَّاسِ وَعَيَّدُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى خَطَّأَهُمْ بَعْضُ عُلَمَائِهِمْ وَأَظْهَرَ لَهُمْ النُّقُولَ الصَّرِيحَةَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، فَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ فَعَلُوا كَذَلِكَ مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَفْهَمُوا مَذْهَبَهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْعُذْرَ أَقْبَحُ مِنْ الذَّنْبِ فَإِنَّ فِيهِ الِافْتِرَاءُ عَلَى أَئِمَّةِ الدِّينِ لِتَرْوِيجِ الْخَطَأِ الصَّرِيحِ فَعِنْدَ ذَلِكَ بَادَرْت إلَى كِتَابَةِ رِسَالَةٍ حَافِلَةٍ سَمَّيْتهَا: [تَنْبِيهُ الْغَافِلِ وَالْوَسْنَانِ عَلَى أَحْكَامِ هِلَالِ رَمَضَانَ] جَمَعْت فِيهَا نُصُوصَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْخَطَأَ الصَّرِيحَ هُوَ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ وَأَنَّ الْحَقَّ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي اجْتَنَبُوهُ. .
مَطْلَبٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ (قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ) جَمْعُ مَطْلِعٍ بِكَسْرِ اللَّامِ مَوْضِعُ الطُّلُوعِ بَحْرٌ عَنْ ضِيَاءِ الْحُلُومِ (قَوْلُهُ: وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا إلَخْ) مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى اخْتِلَافٍ وَمَعْنَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ مِنْ وُجُوبِ صَوْمٍ أَوْ فِطْرٍ فَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فَلَا يُصَامُ لَهُ وَلَا يُفْطَرُ وَأَعَادَهُ وَإِنْ عَلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ قَوْلَهُ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ بَلْ ثَبَتَ ضَرُورَةً إكْمَالُ الْعِدَّةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) اعْلَمْ أَنَّ نَفْسَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لَا نِزَاعَ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْبَلْدَتَيْنِ بُعْدٌ بِحَيْثُ يَطْلُعُ الْهِلَالُ لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي إحْدَى الْبَلْدَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى وَكَذَا مَطَالِعُ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ انْفِصَالَ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْمَشْرِقِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَزُولُ فِي الْمَغْرِبِ، وَكَذَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَغُرُوبُ الشَّمْسِ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ طُلُوعُ فَجْرٍ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ شَمْسٍ لِآخَرِينَ وَغُرُوبٌ لِبَعْضٍ وَنِصْفُ لَيْلٍ لِغَيْرِهِمْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَقَدْرُ الْبُعْدِ الَّذِي تَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَطَالِعُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَأَكْثَرُ عَلَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ اعْتِبَارًا بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ قَدْ انْتَقَلَ كُلَّ غُدُوٍّ وَرَوَاحٍ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ وَبَيْنَهُمَا شَهْرٌ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ التَّاجُ التَّبْرِيزِيُّ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَطَالِعِ لَا يُمْكِنُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَيْضًا اهـ فَلْيُحْفَظْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ اعْتِبَارُ مَطْلِعِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَحَدٌ الْعَمَلَ بِمَطْلِعِ غَيْرِهِ أَمْ لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُهَا بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَسْبَقِ رُؤْيَةً حَتَّى لَوْ رُئِيَ فِي الْمَشْرِقِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَفِي الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ الْعَمَلُ بِمَا رَآهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ، فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ وَاعْتَمَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْفَيْضِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَأَيَّدَهُ فِي الدُّرَرِ بِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ عَلَى فَاقِدِ وَقْتِهِمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ عَمَلًا بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي حَدِيثِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» بِخِلَافِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي رِسَالَتِنَا الْمَذْكُورَةِ.
[تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَطَالِعِ فِيهِ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ رُئِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute