لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ (يُدْخِلُ اللَّيْلَ تَبَعًا وَ) .
اعْلَمْ أَنَّ (الشَّرْطَ) فِي الصَّوْمِ مُرَاعَاةُ (وُجُودِهِ لَا إيجَادِهِ) لِلْمَشْرُوطِ قَصْدًا (فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ وَأَجْزَأَهُ) صَوْمُ رَمَضَانَ (عَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ) لَكِنْ قَالُوا لَوْ صَامَ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَذَرَ اعْتِكَافَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ لِانْعِقَادِهِ مِنْ أَوَّلِهِ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا (وَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْ) رَمَضَانَ الْمُعَيَّنَ (قَضَى شَهْرًا) غَيْرَهُ (بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ) لِعَوْدِ شَرْطِهِ إلَى الْكَمَالِ الْأَصْلِيِّ فَلَمْ يَجُزْ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَلَا فِي وَاجِبٍ سِوَى قَضَاءِ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْهُ وَتَحْقِيقُهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ.
(وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ لِبِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَالسَّاعَةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ جَزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ لَا جَزْءٌ مِنْ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنَّ هَذَا الْفَرْعَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْجَائِرَ هُوَ إطْلَاقُ النَّهَارِ عَلَى مُطْلَقِ الزَّمَانِ دُونَ إطْلَاقِ اللَّيْلِ وَلَوْ سَاغَ الْإِطْلَاقُ الْمَذْكُورُ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ أَوْ غَيْرِهَا لَسَاغَ إطْلَاقُ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ النَّخْلَةِ عَلَى شَيْءٍ طَوِيلٍ غَيْرِ الْإِنْسَانِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَدَمُهُ وَأَيْضًا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا نَوَى بِالْعِتْقِ الطَّلَاقَ صَحَّ لِأَنَّ الْعِتْقَ وُضِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَالْأُولَى سَبَبٌ لِلثَّانِيَةِ فَصَحَّ الْمَجَازُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِالطَّلَاقِ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ادِّعَاءُ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ اللَّيْلُ تَبَعًا) وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبَعِ مَا يُشْتَرَطُ لِلْأَصْلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا إيجَادُهُ لِلْمَشْرُوطِ قَصْدًا) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُهُ مَقْصُودًا لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ الْمَشْرُوطِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُ الطَّهَارَةِ قَصْدًا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ بَلْ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَكَانَ مُتَوَضِّئًا قَبْلَهَا لِغَيْرِهَا وَلَوْ لِلتَّبَرُّدِ يَكْفِيهِ لَهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ) الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ نَذَرَ اعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرِ، أَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ ثُمَّ نَذَرَ اعْتِكَافًا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيُرَاجَعْ اهـ ح.
قُلْت: وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ الْمَقْصُودَ لِلِاعْتِكَافِ إنَّمَا سَقَطَ فِي رَمَضَانَ لِشَرَفِ الْوَقْتِ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ وَالشَّرَفُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَالُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمِنْ التَّفْرِيعَاتِ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا أَوْ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلُّهُ أَكْثَرُ النَّهَارِ، فَإِنْ كَانَ قَالَهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ لَزِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْهُ قَضَاهُ اهـ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمُ اسْتِيعَابِ الِاعْتِكَافِ لِلنَّهَارِ لَا تَعَذُّرُ جَعْلِ التَّطَوُّعِ وَاجِبًا وَأَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ الْمُفَادِ بِلَكِنْ بَلْ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا فِي الْمَتْنِ. اهـ. ح
قُلْت: مَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ عَلَّلَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالتَّجْنِيسِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَالْمِعْرَاجِ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عِلَّةً أُخْرَى لِعَدَمِ صِحَّةِ النَّذْرِ وَبِهِ يَصِحُّ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِهِ الشَّرْطُ وُجُودُهُ لِإِيجَادِهِ فَإِنَّ الشَّرْطَ هُنَا وَهُوَ الصَّوْمُ مَوْجُودٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ بِالِاعْتِكَافِ، وَعَدَمِ اسْتِيعَابِهِ بِالصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ صَوْمُ وَاجِبٍ بِنَذْرِ الِاعْتِكَافِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَرَمَضَانَ وَيُمْكِنُ دَفْعُ الِاسْتِدْرَاكِ بِهَذَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَضَى شَهْرًا غَيْرَهُ) أَيْ مُتَتَابِعًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَقَدْ فَاتَهُ فَيَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا كَمَا إذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ رَجَبٍ وَلَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ سِوَى قَضَاءِ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ) أَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إنْ قَضَاهُ مُتَتَابِعًا وَاعْتَكَفَ فِيهِ جَازَ لِأَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الِاعْتِكَافُ بَاقٍ فَيَقْضِيهِمَا بِصَوْمِ شَهْرٍ مُتَتَابِعًا بَدَائِعُ أَيْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ خَلَفٌ عَنْ الْأَدَاءِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَتَحْقِيقُهُ فِي الْأُصُولِ) وَهُوَ أَنَّ النَّذْرَ كَانَ مُوجِبًا لِلصَّوْمِ الْمَقْصُودِ وَلَكِنْ سَقَطَ لِشَرَفِ الْوَقْتِ، وَلَمَّا لَمْ يَعْتَكِفْ فِي الْوَقْتِ صَارَ ذَلِكَ النَّذْرُ بِمَنْزِلَةِ نَذْرٍ مُطْلَقٍ عَنْ الْوَقْتِ فَعَادَ شَرْطُهُ إلَى الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ الِاعْتِكَافُ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ رَمَضَانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute