مَعَ سُنَّتِهَا يُحَكِّمُ فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ، وَيَسْتَنُّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا عَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ مَكَثَ أَكْثَرَ لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهُ وَكُرِهَ تَنْزِيهًا لِمُخَالَفَةِ مَا الْتَزَمَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ.
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: بَلْ ظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْأَذَانَ أَيْضًا غَيْرُ شَرْطٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ صَعِدَ الْمَنَارَةَ لَمْ يَفْسُدْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِيهَا مِنْ كُلِّ مَا يُمْنَعُ فِيهِ مِنْ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ فَأَشْبَهَ زَاوِيَةً مِنْ زَوَايَا الْمَسْجِدِ اهـ لَكِنْ يَنْبَغِي فِيمَا إذَا كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا خَرَجَ لِلْأَذَانِ لِأَنَّ الْمَنَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ، لَكِنَّ خُرُوجَهُ إلَى بَابِهَا لَا لِلْأَذَانِ خُرُوجٌ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَبِهَذَا لَا يَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ مُفَرَّعًا عَلَى الضَّعِيفِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَبَابُ الْمَنَارَةِ إلَخْ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَبَرَةُ الْمَفْهُومِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ سُنَّتِهَا) أَيْ وَمَعَ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَكُونُ قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ أَيْضًا مَعَ ذِكْرِهِمْ لَهَا هُنَا لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ إذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِحُصُولِهَا بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحِيَّةِ غَيْرِهَا وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي السُّنَّةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ لَكِنْ نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَلَى خَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ التَّحِيَّةِ بِالِاسْتِقْلَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي ضِمْنِ الْفَرِيضَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ يَعْتَكِفُ وَيُلَازِمُ بَابَ الْكَرِيمِ إنَّمَا يَرُومُ مَا يُوجِبُ لَهُ مَزِيدَ التَّفْضِيلِ وَالتَّكْرِيمِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ أَرْبَعًا عِنْدَهُ وَسِتًّا عِنْدَهَا بَدَائِعُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ عَلَيْهِ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْمَذْهَبِ لِنَصِّهِمْ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا السُّنَّةَ الْبَعْدِيَّةَ وَلِأَنَّ مَنْ اخْتَارَهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَارَهَا لِلشَّكِّ فِي سَبْقِ جُمُعَتِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا فِي مِصْرٍ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ، فَلَا يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهَا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُمْ تَطَرَّقُوا مِنْهَا إلَى التَّكَاسُلِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَظَنِّ أَنَّهَا غَيْرُ فَرْضٍ، وَأَنَّ الظُّهْرَ كَافٍ عَنْهَا وَاعْتِقَادُ ذَلِكَ كُفْرٌ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَفِي هَذَا الظُّهُورِ خَفَاءٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ فَلْيَكُنْ اقْتِصَارُهُمْ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ بَلْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مُعْتَكَفِهِ وَكَوْنُ الصَّحِيحِ جَوَازَ التَّعَدُّدِ لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ تِلْكَ الْأَرْبَعِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ الْقَوِيِّ الْوَاقِعِ فِي مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْغَيْرِ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْجُمُعَةِ التَّصْرِيحَ عَنْ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِهَا وَكَوْنِ الْأُولَى أَنْ لَا يُفْتَى بِهَا فِي زَمَانِنَا لِمَا ذَكَرَهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهَا مِمَّنْ لَا يُخْشَى مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ مَبْسُوطًا عَنْ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرِهِ فَتَذَكَّرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَكَثَ أَكْثَرَ) كَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهُ) أَيْ مَسْجِدُ الْجُمُعَةِ مَحَلٌّ لِلِاعْتِكَافِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ خَرَجَ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَمَكَثَ فِيهِ حَيْثُ يَفْسُدُ كَمَا مَرَّ وَفِي الْبَدَائِعِ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرُّخْصَةِ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ وَيَجُوزُ حَمْلُ الرُّخْصَةِ عَلَى مَا لَوْ خَرَجَ لِوَجْهٍ مُبَاحٍ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ الْجُمُعَةِ وَعَادَ مَرِيضًا أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ لِذَلِكَ قَصْدًا وَذَلِكَ جَائِزٌ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ لِوَجْهٍ مُبَاحٍ إنَّمَا يَضُرُّ الْمُكْثُ لَوْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لِغَيْرِ عِيَادَةٍ (قَوْلُهُ لِمُخَالَفَةِ مَا الْتَزَمَهُ) أَيْ مِنْ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمَّا ابْتَدَأَ الِاعْتِكَافَ فِيهِ، فَكَأَنَّهُ عَيَّنَّهُ لِذَلِكَ فَكُرِهَ تَحَوُّلُهُ عَنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْمَامِ فِيهِ بَدَائِعُ.
قُلْت: وَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي النَّذْرِ كَمَا مَرَّ وَعَدَمُ جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ لَا لِتَعَيُّنِهِ بَلْ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُضَادٌّ لِحَقِيقَةِ الِاعْتِكَافِ الَّذِي هُوَ اللَّبْثُ وَالْإِقَامَةُ. [تَتِمَّةٌ]
لَمْ يَذْكُرْ جَوَازَ خُرُوجِهِ لِجَمَاعَةٍ، وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ وَالْفَتْحِ مَا يُفِيدُهُ وَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ مَا يُفِيدُهُ أَيْضًا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَقَامَ فِي اعْتِكَافِهِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ يَحُجُّ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الِاعْتِكَافَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute