فَإِنَّهُ كَمَا سَيَجِيءُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ الْحَجَّ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ وَقَدْ يَتَّصِفُ بِالْحُرْمَةِ كَالْحَجِّ بِمَالٍ حَرَامٍ، وَبِالْكَرَاهَةِ كَالْحَجِّ بِلَا إذْنٍ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ وَفِي النَّوَازِلِ: لَوْ كَانَ الِابْنُ صَبِيًّا فَلِلْأَبِ مَنْعُهُ حَتَّى يَلْتَحِيَ (عَلَى الْفَوْرِ) فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الثَّانِي
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ مُجَاوَزَتِهِ بِدُونِ إحْرَامٍ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا مِنْ الْآفَاقِيِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَوْنُهُ مُتَلَبِّسًا بِالْإِحْرَامِ وَقْتَ الْمُجَاوَزَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجِّ نَفْلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ لِحِلِّ الْمُجَاوَزَةِ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُهُ مَقْصُودًا كَمَا مَرَّ فِي الِاعْتِكَافِ، وَنَظِيرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَغْتَسِلَ فَإِذَا اغْتَسَلَ لِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ دَخَلَ جَازَ، مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا نَوَى الْغُسْلَ الْمَسْنُونَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ، وَلَمْ يَغْتَسِلْ لِغَيْرِهِ وَهُنَا إذَا أَرَادَ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ وَكَانَ قَاصِدًا لِلنُّسُكِ وَأَحْرَمَ بِنُسُكِ فَرْضٍ أَوْ مَنْذُورٍ أَوْ نَفْلٍ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لِذَلِكَ بِأَنْ قَصَدَ الدُّخُولَ لِتِجَارَةٍ مَثَلًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ إحْرَامُهُ وَاجِبًا وَنَظِيرُهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ تَنْدَرِجُ فِي أَيِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا بُدَّ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ مِنْ صَلَاتِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَرَضَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ تَصْوِيرَ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُلَبِّي مِنْهُ، وَيَكُونُ إحْرَامُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبًا إذَا كَانَ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَهَا بِنُسُكِ فَرْضٍ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى مِنْ فَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْرَامٌ خَاصٌّ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَزَازَةَ فِي عِبَارَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ وَكَذَا قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْحَجَّ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ) فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِب الْمُخَيَّرِ أَيْ وَإِنْ اخْتَارَ الْعُمْرَةَ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ الْمَقَامِ إيَّاهُ. اهـ. ح.
مَطْلَبٌ فِيمَنْ حَجّ بِمَالٍ حَرَامٍ
(قَوْلُهُ كَالْحَجِّ بِمَالٍ حَرَامٍ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِالْحَجِّ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ نَفْسَهُ الَّذِي هُوَ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ إلَخْ لَيْسَ حَرَامًا بَلْ الْحَرَامُ هُوَ إنْفَاقُ الْمَالِ الْحَرَامِ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ تَقَعُ فَرْضًا، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ شَغْلُ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْفِعْلِ صَلَاةً لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِالْحُرْمَةِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي نَفْسِهِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ الْإِنْفَاقُ، وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْحُرْمَةَ لِأَنَّ لِلْمَالِ دَخْلًا فِيهِ، فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ عَمَل الْبَدَنِ وَالْمَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ نَفَقَةٍ حَلَالٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِالنَّفَقَةِ الْحَرَامِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ مَعَهَا وَلَا تَنَافِي بَيْنَ سُقُوطِهِ، وَعَدَمِ قَبُولِهِ فَلَا يُثَابُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَلَا يُعَاقَبُ عِقَابَ تَارِكِ الْحَجِّ. اهـ.
أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ التَّرْكِ يُبْتَنَى عَلَى الصِّحَّةِ: وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِالشَّرَائِطِ، وَالْأَرْكَانُ وَالْقَبُولُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ يُبْتَنَى عَلَى أَشْيَاءَ كَحِلِّ الْمَالِ وَالْإِخْلَاصِ كَمَا لَوْ صَلَّى مُرَائِيًا أَوْ صَامَ وَاغْتَابَ فَإِنَّ الْفِعْلَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ بِلَا ثَوَابٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ) كَأَحَدِ أَبَوَيْهِ الْمُحْتَاجِ إلَى خِدْمَتِهِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَكَذَا الْغَرِيمُ لِمَدْيُونٍ لَا مَالَ لَهُ يَقْضِي بِهِ، وَالْكَفِيلُ لَوْ بِالْإِذْنِ، فَيُكْرَهُ خُرُوجُهُ بِلَا إذْنِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِالْوُجُوبِ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ السَّيْرِ وَكَذَا إنْ كَرِهَتْ خُرُوجَهُ زَوْجَتُهُ وَمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَدْفَعُهُ لِلنَّفَقَةِ فِي غَيْبَتِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ.
أَمَّا حَجُّ النَّفْلِ فَطَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ أَوْلَى مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَلْتَحِيَ) وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَخْرُجُ وَإِنْ الْتَحَى بَحْرٌ عَنْ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ عَلَى الْفَوْرِ) هُوَ الْإِتْيَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute