وَإِلَّا فَتُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَارَةِ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِمَكِّيٍّ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ لِشَبَهِهِ بِالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ لَمْ يَجِبْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رُكُوبِ الْمُقَتَّبِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَحَارَةِ) هِيَ شَبَهُ الْهَوْدَجِ قَامُوسٌ أَيْ عَلَى شِقٍّ مِنْهَا بِشَرْطِ أَنْ يَجِدَ لَهُ مُعَادِلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ أَمْتِعَتَهُ رَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ إمَّا بِرُكُوبِ زَامِلَةٍ أَيْ مُقَتَّبٍ أَوْ بِشِقِّ مَحْمَلٍ، وَأَمَّا الْمِحَفَّةُ فَمِنْ مُبْتَدَعَاتِ الْمُتَرَفِّهَةِ فَلَيْسَ لَهَا عِبْرَةٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحَفَّةِ التَّخْتُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِنَا الْمَحْمُولُ بَيْنَ جَمَلَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مُنَكَّسِهِ بِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِمَا قَرَّرُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ عَادَةً وَعُرْفًا فَمَنْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَيْهَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ بِلَا ارْتِيَابٍ، وَإِنْ قَدَرَ بِالْمَحْمَلِ أَوْ الْمُقَتَّبِ فَلَا يُعْذَرُ وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ذَا ثَرْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَرَاحِلَةٌ لَا بِقَوْلِهِ فَتُشْتَرَطُ لِإِيهَامِهِ أَنَّ غَيْرَ الْآفَاقِيِّ يُشْتَرَطُ لَهُ الْمُقَتَّبُ فَلَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ لَا الْمَكِّيُّ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الزَّادَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ لِمَكِّيٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَاحِبِ الْيَنَابِيعِ وَالسِّرَاجِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ فَقِيرًا لَا زَادَ لَهُ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الْهُمَامِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ فَشَرْطٌ لِلْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ الْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ وَقِيلَ شَرْطٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ أَرْبَعُ فَرَاسِخَ، وَلَا يَقْدِرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى مَشْيِهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ الْأَوَّلَ، وَنَظَرَ فِيهِ شَارِحُهُ الْقَارِي بِأَنَّ الْقَادِرَ نَادِرٌ وَمَبْنَى الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ، وَحَدُّ الْمَكِّيِّ عِنْدَنَا مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ الظَّاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَاشْتِرَاطُ الرَّاحِلَةِ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا مَا دُونَهُ فَلَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي اللُّبَابِ: الْفَقِيرُ الْآفَاقِيُّ إذَا وَصَلَ إلَى مِيقَاتٍ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ إلَّا الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَنِيُّ الْآفَاقِيُّ كَذَلِكَ إذَا عَدِمَ الرُّكُوبَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْفَقِيرِ لِظُهُورِ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْكَبِ، وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْوِيَ نَفْلًا عَلَى زَعْمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ آفَاقِيٌّ فَلَمَّا صَارَ كَالْمَكِّيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَوْ نَوَاهُ نَفْلًا لَزِمَهُ الْحَجُّ ثَانِيًا. اهـ.
مُلَخَّصًا وَنَظِيرُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ إذَا وَاصَلَ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ أَنْ يَمْكُثَ لِيَحُجَّ حَجَّ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ، لِكَوْنِهِ صَارَ قَادِرًا عَلَى مَا فِيهِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِشَبَهِهِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ) أَيْ حَيْثُ عَبَّرَ بِالرَّاحِلَةِ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَلِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّهَا الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ تَفْسِيرِهَا بِأَنَّهَا مَا يَحْمِلُهُ وَيَحْمِلُ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَسْفَارِ وَالْأَحْمَالِ. اهـ.
لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَ الْبَعِيرِ لَا يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ مَعَ مَا يَحْتَاجُهُ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَرْحِ الصَّبَّاغِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ كُرَّيْ حِمَارٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute