أَوْ لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَحَدِيثُ " فَقَدْ تَعَدَّى " مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ،
ــ
[رد المحتار]
أَمَّا هُوَ فَيَلْزَمُهُ قَطْعُ مَادَّةِ الْوَسْوَاسِ عَنْهُ وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ إلَى التَّشْكِيكِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُعَادَاتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ رَحْمَتِيٌّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ قُبَيْلَ فُرُوضِ الْغُسْلِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ أَعَادَهُ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الشَّكُّ عَادَةً لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْفَرَاغِ قَطْعًا لِلْوَسْوَسَةِ عَنْهُ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ
(قَوْلُهُ: أَوْ لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ) أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ بَحْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النَّاطِفِيِّ: لَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ بِدْعَةٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْوُضُوءِ؛ أَمَّا إذَا فَرَغَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ فَلَا يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ.
وَعَارَضَ فِي الْبَحْرِ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ بِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَعَادَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا إذَا كَرَّرَهُ مِرَارًا، وَلَفْظُهُ فِي السِّرَاجِ: لَوْ تَكَرَّرَ الْوُضُوءُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا لَمْ يُسْتَحَبَّ، بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ فَتَدَبَّرْ اهـ.
قُلْت: لَكِنْ يَرِدُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ إشْكَالٌ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا فَإِذَا لَمْ يُؤَدَّ بِهِ عَمَلٌ مِمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ كَالصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرَعَ تَكْرَارُهُ قُرْبَةً؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ إسْرَافًا مَحْضًا، وَقَدْ قَالُوا فِي السَّجْدَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً: لَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِهَا مُسْتَقِلَّةً وَكَانَتْ مَكْرُوهَةً، وَهَذَا أَوْلَى. اهـ.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ فِي هَدِيَّتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ إذَا صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ صَلَاةً، كَذَا فِي الشِّرْعَةِ وَالْقُنْيَةِ. اهـ. وَكَذَا مَا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ عِنْدَ حَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّهْرِ الْوُضُوءُ الَّذِي صَلَّى بِهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا بَيَّنَهُ فِعْلُ رَاوِي الْخَبَرِ وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ، فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ شَيْئًا لَا يُسَنُّ لَهُ تَجْدِيدُهُ. اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا كَرَاهَتُهُ، وَإِنْ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ مَا لَمْ يُؤَدِّ بِهِ صَلَاةً أَوْ نَحْوَهَا لَكِنْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّتُهُ وَلَوْ بِلَا فَصْلٍ بِصَلَاةٍ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ، وَلَا إسْرَافَ فِيمَا هُوَ مَشْرُوعٌ، أَمَّا لَوْ كَرَّرَهُ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا فَيُشْتَرَطُ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ الْفَصْلُ بِمَا ذُكِرَ، وَإِلَّا كَانَ إسْرَافًا مَحْضًا اهـ فَتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ كَلِمَةُ لَا بَأْسَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ
(قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ وَقَدْ أُمِرَ بِتَرْكِ مَا يَرِيبُهُ إلَى مَا لَا يَرِيبُهُ مِعْرَاجٌ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ، فَكَلِمَةُ لَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى، لَكِنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْجَنَائِزِ وَالْجِهَادِ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ فَقَدْ تَعَدَّى إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا» عَلَى أَقْوَالٍ؟ فَقِيلَ: عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَالْحَدِيثُ فِي الْمَصَابِيحِ، وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ تَكُونُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَقِيلَ: عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ وَالنَّقْصِ عَنْهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ دُونَ نَفْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute