(وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِأَجْلِ الْوُقُوفِ (ثُمَّ وَقَفَ) بِمُزْدَلِفَةِ، وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَوْ مَارًّا كَمَا فِي عَرَفَةَ، لَكِنْ لَوْ تَرَكَهُ بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ
ــ
[رد المحتار]
قَالَ ط وَذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ فِي حَدِيثِ «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» مَا نَصُّهُ لِاجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَاتِ فِيهِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بِقَوْلِهِ {وَالْفَجْرِ} [الفجر: ١] {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: ٢] فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْخَبَرُ، وَأَخَذَ بِهِ الْبَعْضُ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ نَحْوَ طَلَاقٍ أَوْ نَذْرٍ بِأَفْضَلِ الْأَعْشَارِ أَوْ الْأَيَّامِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ لَيَالِيَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَضُلَ لِيَوْمَيْ النَّحْرِ وَعَرَفَةَ، وَعَشْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا فَضُلَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ اهـ.
قُلْت: وَنَقَلَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ، وَهُوَ أَنَّ أَيَّامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ رَمَضَانَ وَلَيَالِي الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ أَفْضَلَ مَا فِي الثَّانِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَبِهَا ازْدَادَ شَرَفُهُ، وَازْدِيَادُ شَرَفِ الْأَوَّلِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ. وَهَذَا مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ كَالصَّرِيحِ فِي أَفْضَلِيَّةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ تَفْضِيلِ لَيْلَةِ النَّحْرِ عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ شَمْسٌ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي لَيْلَتِهَا لَا فِي يَوْمِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ يَوْمَهَا أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَتِهَا أَيْ لِأَنَّ فَضِيلَةَ لَيْلَتِهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ فِي الْيَوْمِ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي الْمِعْرَاجِ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ آخِرَ الْحَجِّ. وَنَقَلَ ط عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ أَفْضَلَ اللَّيَالِي لَيْلَةُ مَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، ثُمَّ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْعِيدِ
(قَوْلُهُ وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) أَيْ ظُلْمَةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَلَا يُسَنُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا إلَّا هُنَا وَكَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ فِي مِنًى عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ) أَيْ لِأَجْلِ امْتِدَادِهِ. .
مَطْلَبٌ فِي الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةِ
(قَوْلُهُ ثُمَّ وَقَفَ) هَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا لَا سُنَّةٌ، وَالْبَيْتُوتَةُ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إلَى الْفَجْرِ لَا وَاجِبَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ إلَخْ) أَيْ وَقْتُ جَوَازِهِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْهُ، فَمَنْ وَقَفَ بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَقَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْهُ سَاعَةٌ وَلَوْ لَطِيفَةً وَقَدْرُ السَّنَةِ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ إلَى الْإِسْفَارِ جِدًّا، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَكَيْنُونَتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لُبَابٌ (قَوْلُهُ كَزَحْمَةٍ) عِبَارَةُ اللُّبَابِ إلَّا إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ يَكُونُ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ شَامِلٌ لِخَوْفِ الزَّحْمَةِ عِنْدَ الرَّمْيِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَيْلًا لِيَرْمِيَ قَبْلَ دَفْعِ النَّاسِ وَزَحْمَتِهِمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ الزَّحْمَةَ عِنْدَ الرَّمْيِ وَفِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فِي زَمَانِنَا، فَيَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute