تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَجَامِعِ الْبِحَارِ، قَدَّرْتُهُ فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ كِبَارٍ، فَصَرَفْت عِنَانَ الْعِنَايَةِ نَحْوَ الِاخْتِصَارِ، وَسَمَّيْتُهُ بِالدُّرِّ الْمُخْتَارِ، فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ، الَّذِي فَاقَ كُتُبَ هَذَا الْفَنِّ فِي الضَّبْطِ وَالتَّصْحِيحِ وَالِاخْتِصَارِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ
ــ
[رد المحتار]
كَشْفِ حَقَائِقِ التَّنْقِيحِ (قَوْلُهُ: قَدَّرْته فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ كِبَارٍ) مُجَلَّدَاتٌ جَمْعُ مُجَلَّدٍ، وَاسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْ غَيْرِ الْعَاقِلِ إذَا جُمِعَ يُجْمَعُ جَمْعَ تَأْنِيثٍ كَمَخْفُوضَاتٍ وَمَرْفُوعَاتٍ وَمَنْصُوبَاتٍ، وَالْمُرَادُ أَجْزَاءٌ، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْجُزْءَ يُوضَعُ فِي جِلْدٍ عَلَى حِدَةٍ ط أَيْ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّضَ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْهُ قَدَّرَ أَنَّ تَمَامَ الْكِتَابِ عَلَى مِنْوَالِ مَا بَيَّضَ مِنْهُ يَبْلُغُ عَشْرَ مُجَلَّدَاتٍ كِبَارٍ. وَذَكَرَ الْمُحِبِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ وَصَلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَى بَابِ الْوِتْرِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهُ فِي الْمُسْوَدَّةِ أَيْضًا وَإِنَّمَا أَلَّفَ مِنْهُ هَذَا الْجُزْءَ الَّذِي بَيَّضَهُ فَقَطْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَصَرَفْت عِنَانَ الْعِنَايَةِ) الْعِنَانُ بِالْكَسْرِ: مَا وُصِلَ بِلِجَامِ الْفَرَسِ، وَالْعِنَايَةُ الْقَصْدُ. وَفِي نِهَايَةِ الْحَدِيثِ: يُقَالُ عَنَيْت فُلَانًا عَنْيًا إذَا قَصَدْته، وَتَشْبِيهُ الْعِنَايَةِ بِصُورَةِ الْفَرَسِ فِي الْإِيصَالِ إلَى الْمَطْلُوبِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتُ الْعِنَانِ اسْتِعَارَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ، وَذِكْرُ الصَّرْفِ تَرْشِيحٌ، وَفِيهِ الْإِيهَامُ بِكِتَابِ الْعِنَايَةِ. اهـ.
ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (قَوْلُهُ: نَحْوَ الِاخْتِصَارِ) أَيْ جِهَةَ اخْتِصَارِ مَا فِي خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ (قَوْلُهُ: وَسَمَّيْته بِالدُّرِّ الْمُخْتَارِ) أَيْ سَمَّيْت هَذَا الْمُخْتَصَرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الِاخْتِصَارِ أَوْ الشَّرْحَ الْمُتَقَدِّمَ فِي قَوْلِهِ تَبْيِيضِ هَذَا الشَّرْحِ، وَسَمَّى يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي بِحَرْفِ الْجَرِّ كَمَا هُنَا أَوْ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي سَمَّيْت ابْنِي مُحَمَّدًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ عَلَمُ جِنْسٍ وَأَسْمَاءَ الْعُلُومِ عَلَمُ شَخْصٍ نُوقِشَ فِيهِ بِأَنَّهُ إنْ نُظِرَ لِتَعَدُّدِ الشَّيْءِ بِتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ فَكِلَاهُمَا عَلَمُ جِنْسٍ، وَإِنْ نَظَرَ لِلِاتِّحَادِ الْعُرْفِيِّ فَعَلَمُ شَخْصٍ. وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ فَهِيَ تَحَكُّمٌ وَتَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ. اهـ.
وَالدُّرُّ: الْجَوْهَرُ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَالْمُخْتَارُ: الَّذِي يُؤْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: الَّذِي فَاقَ) نَعْتٌ لِتَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ لَا لِلدُّرِّ الْمُخْتَارِ. اهـ. ح، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لَيْسَ جُزْءَ عَلَمٍ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ جُزْءَ الْعِلْمِ لَا يُوصَفُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى مَا قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: هَذَا الْفَنِّ) فِي الْقَامُوسِ: الْفَنُّ الْحَالُ وَالضَّرْبُ مِنْ الشَّيْءِ كَالْأُفْنُونِ جَمْعُهُ أَفْنَانٌ وَفُنُونٌ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا عَلَمٌ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعُلُومِ (قَوْلُهُ: فِي الضَّبْطِ) هُوَ الْحِفْظُ بِالْحَزْمِ قَامُوسٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا حُسْنُ التَّحْرِيرِ وَمَتَانَةُ التَّعْبِيرِ فَهُوَ مَضْبُوطٌ كَالْحِمْلِ الْمَحْزُومِ (قَوْلُهُ: وَالتَّصْحِيحِ) أَيْ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ الْمُصَحَّحَةِ إلَّا مَا نَدَرَ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِصَارِ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ، فَهُوَ مَعَ حُسْنِ التَّحْرِيرِ وَالتَّصْحِيحِ خَالٍ عَنْ التَّطْوِيلِ
(قَوْلُهُ: وَلَعَمْرِي) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْعُمُرُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الْبَقَاءُ إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ غَلَبَ فِي الْقَسَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِيهِ الضَّمُّ، يُقَال لَعَمْرُكَ وَلَعَمْرُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَارْتِفَاعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ اهـ: أَيْ قَسَمِي أَوْ يَمِينِي، وَالْوَاوُ فِيهِ لِلِاسْتِئْنَافِ وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَإِذَا سَقَطَتْ اللَّامُ نُصِبَ انْتِصَابَ الْمَصَادِرِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِ لَعَمْرُ اللَّهِ. اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: فَعَلَى هَذَا مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا الْقَسَمِ الْجَاهِلِيِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُقَالُ لَعَمْرِ فُلَانٍ، وَإِذَا حَلَفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبَرَّ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ، فَإِنَّ الْبِرَّ فِيهِ كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي كِفَايَةِ الشَّعْبِيِّ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ قَالَ فَاضِلُ الرُّومِ حَسَنٌ جَلَبِي فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ: قَوْلُهُ: لَعَمْرِي يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ: أَيْ لِوَاهِبِ عُمْرِي وَكَذَا أَمْثَالُهُ مِمَّا أُقْسِمَ فِيهِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَالشَّمْسِ} [الشمس: ١]- وَاللَّيْلِ - وَالْقَمَرِ - وَنَظَائِرِهِ أَيْ وَرَبِّ الشَّمْسِ إلَخْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَعَمْرِي وَأَمْثَالِهِ ذِكْرَ صُورَةِ الْقَسَمِ لِتَأْكِيدِ مَضْمُونِ الْكَلَامِ وَتَرْوِيجِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ الْمُؤَكَّدَاتِ، وَأَسْلَمُ مِنْ التَّأْكِيدِ بِالْقَسَمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِ الْبِرِّ بِهِ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ وَتَشْبِيهَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي التَّعْظِيمِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اسْمِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute