وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ حِمَارٍ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَسَدَ حَجُّهَا إجْمَاعًا (وَيَمْضِي) وُجُوبًا فِي فَاسِدِهِ كَجَائِزِهِ (وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي) وَلَوْ نَفْلًا، وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ؟ لَمْ أَرَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْإِعَادَةُ
ــ
[رد المحتار]
الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيُّ. قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يُزِيلُ بَعْضَ الْإِشْكَالَاتِ.
قَالَ الْقَارِي: قُلْت: مِنْ جُمْلَتِهَا الْمُضِيُّ فِي الْأَفْعَالِ، لَكِنَّ فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ أَيْضًا نَوْعَ إشْكَالٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ لِيُؤَدَّى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. اهـ.
أَقُولُ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَسَادِ هُنَا الْبُطْلَانَ بِمَعْنَى عَدَمِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْخَلَلُ الْفَاحِشُ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ وَلِوُجُوبِ الْقَضَاءِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مَوْجُودَةٌ نَاقِصَةٌ نُقْصَانًا أَخْرَجَهَا عَنْ الْإِجْزَاءِ، وَلِهَذَا صُرِّحَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ بِإِفْسَادِ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا عَنْهُ قَبْلَ الْإِعْمَالِ اهـ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَ خَارِجًا عَنْهُ، وَلَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ مُوجِبُ مَا يَرْتَكِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ.
وَذُكِرَ فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أُخْرَى يَنْوِي قَبْلَ أَدَائِهَا فَهِيَ هِيَ، وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ لَا تَصِحُّ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْفَاسِدَةِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ مُعَاصِرِي صَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّ الْحَجَّ إذَا فَسَدَ لَمْ يَفْسُدْ الْإِحْرَامُ مَعْنَاهُ لَمْ يَبْطُلْ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، فَلَا يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِفَسَادِهِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صُرِّحَ فِي اللُّبَابِ فِي فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ بِأَنَّ مُفْسِدَهُ الْجِمَاعُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَمُبْطِلَهُ الرِّدَّةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ حِمَارٍ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً حَيْثُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ أَنَّ دَاعِيَ الشَّهْوَةِ فِي النِّسَاءِ أَتَمُّ فَلَمْ تَكُنْ فِي جَانِبِهِنَّ قَاصِرَةٌ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ إذَا جَامَعَ بَهِيمَةً ط (قَوْلُهُ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا) وَلَوْ لِغَيْرِ آدَمِيٍّ ط (قَوْلُهُ وَيَمْضِي إلَخْ) لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ أَوْ الْإِحْصَارِ وَلَا وُجُودَ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْمُضِيُّ فِيهِ مَعَ فَسَادِهِ لِمَا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ الْوَاجِبُ بِهِ لِنُقْصَانِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَجَائِزِهِ) أَيْ فَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ وَيَجْتَنِبُ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ، وَإِنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الصَّحِيحِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَيَذْبَحُ) وَيَقُولُ سُبْعُ الْبَدَنَةِ مَقَامُ الشَّاةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَحْرٌ. قُلْت: وَهَذَا صَرِيحٌ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَيَقْضِي) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَيَقْضِي أَيْ مِنْ قَابِلٍ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ، فَلَا يَقْضِي إلَّا مِنْ قَابِلٍ، وَسَيَأْتِي فِي مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَنَّهُ لَوْ عَادَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ تِلْكَ الْعُمْرَةَ أَوْ الْحَجَّةَ وَقَضَى الْحَجَّ فِي عَامِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ مِنْ عَامِهِ لِتَدَارُكِ مَا فَاتَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ) أَيْ قَضَاءُ الْقَضَاءِ الَّذِي أَفْسَدَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّتَيْنِ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَأَعَادَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُهُ. اهـ.
وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ إنَّ تَسْمِيَتَهُ قَضَاءً مَجَازٌ قَالَ شَارِحُهُ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمُرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا اهـ أَيْ وَحَيْثُ كَانَ الثَّانِي أَدَاءً لَمْ يَكُنْ حَجًّا آخَرَ أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ مُلْزِمًا نَفْسَهُ حَجًّا آخَرَ، بَلْ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لِمَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ هُوَ ظَانًّا حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الظَّانَّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute