للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى بِعِبَادَةٍ مَا،

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ أَلْ عَلَى غَيْرٍ. وَعِنْدِي أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا، فَيُقَالُ فَعَلَ الْغَيْرُ كَذَا، وَالْكُلُّ خَيْرٌ مِنْ الْبَعْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ هُنَا لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ وَلَكِنَّهَا الْمُعَاقِبَةُ لِلْإِضَافَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ أَنَّ غَيْرًا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. ثُمَّ إنَّ الْغَيْرَ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى الضِّدِّ وَالْكُلُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالْبَعْضُ عَلَى الْجُزْءِ، فَيَصْلُحُ دُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، يَعْنِي أَنَّهَا تَتَعَرَّفُ عَلَى طَرِيقَةِ حَمْلِ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ، فَإِنَّ الْغَيْرَ نَظِيرُ الضِّدِّ وَالْكُلَّ نَظِيرُ الْجُمْلَةِ، وَالْبَعْضَ نَظِيرُ الْجُزْءِ، وَحَمْلُ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ سَائِغٌ شَائِعٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَحَمْلِ الضِّدِّ عَلَى الضِّدِّ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ، وَقَدْ نَصَّ الْعَلَّامَةُ الزَّمَخْشَرِيّ عَلَى وُقُوعِ هَذَيْنِ الْحَمْلَيْنِ وَشُيُوعِهِمَا فِي لِسَانِهِمْ فِي الْكَشَّافِ أَفَادَهُ ابْنُ كَمَالٍ. مَطْلَبٌ فِي إهْدَاءِ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ بِعِبَادَةٍ مَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةً أَوْ ذِكْرًا أَوْ طَوَافًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالشُّهَدَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى، وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط وَقَدَّمْنَا فِي الزَّكَاةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ الْأَفْضَلُ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ نَفْلًا أَنْ يَنْوِيَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لِأَنَّهَا تَصِلُ إلَيْهِمْ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ. اهـ.

وَفِي الْبَحْرِ بَحَثَ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ شَامِلٌ لِلْفَرِيضَةِ لَكِنْ لَا يَعُودُ الْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الثَّوَابِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ السُّقُوطِ عَنْ ذِمَّتِهِ اهـ. عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَنْعَدِمُ كَمَا عَلِمْت، وَسَنَذْكُرُ فِيمَا لَوْ أَهَلَّ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ يَجْزِيهِ عَنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ فِي الْفَرَائِضِ. وَبَحَثَ أَيْضًا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ لِلْغَيْرِ أَوْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَجْعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ كَلَامِهِمْ. اهـ. قُلْت: وَإِذَا قُلْنَا بِشُمُولِهِ لِلْفَرِيضَةِ أَفَادَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَنْوِيهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا صَحَّ جَعْلُ ثَوَابِهِ لِغَيْرِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي وُصُولِ الثَّوَابِ أَنْ يَنْوِيَ الْغَيْرَ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَقَدَّمْنَا فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهِيدِ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ عِنْدَهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْغَيْرِ عِنْدَ الْفِعْلِ؟ فَقِيلَ لَا لِكَوْنِ الثَّوَابِ لَهُ فَلَهُ التَّبَرُّعُ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ، وَقِيلَ نَعَمْ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ انْتِقَالُهُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُصُولِ أَنْ يَهْدِيَهُ بِلَفْظِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَى فَقِيرًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَنَحْوِهِ، نَعَمْ لَوْ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ نَوَى جَعْلَ ثَوَابِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ كَمَا لَوْ نَوَى أَنْ يَهَبَ أَوْ يَعْتِقَ أَوْ يَتَصَدَّقَ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ إهْدَاءُ نِصْفِ الثَّوَابِ أَوْ رُبْعِهِ. وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَهْدَى الْكُلَّ إلَى أَرْبَعَةٍ يَحْصُلُ لِكُلٍّ رُبْعُهُ، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ أَخَذَ فِي عِبَادَتِهِ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا.

[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا لِيَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ عِبَادَتِهِ لِلْمُعْطِي، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ ذَلِكَ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ عَلَى عِبَادَةٍ سَابِقَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا لَهَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ لِيَعْمَلَ يَكُونُ إجَارَةً عَلَى الطَّاعَةِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ أَيْضًا كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى، إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ جَوَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>