لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ وَلَوْ عِنْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ (وَالْبَدَنِيَّةُ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ (لَا) تَقْبَلُهَا (مُطْلَقًا، وَالْمُرَكَّبَةُ مِنْهُمَا) كَحَجِّ الْفَرْضِ (تَقْبَلُ النِّيَابَةَ عِنْدَ الْعَجْزِ فَقَطْ) لَكِنْ (بِشَرْطِ دَوَامِ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ) لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ حَتَّى تَلْزَمَ الْإِعَادَةُ بِزَوَالِ الْعُذْرِ (وَ) بِشَرْطِ (نِيَّةِ الْحَجِّ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْآمِرِ فَيَقُولُ: أَحْرَمْتُ عَنْ فُلَانٍ وَلَبَّيْتُ عَنْ فُلَانٍ،
ــ
[رد المحتار]
بِإِيصَالِهِ إلَى الْفَقِيرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ بِفِعْلِ النَّائِبِ.
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُجْزِئَ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ لِتَضَمُّنِهِ الْمَشَقَّتَيْنِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالْأُولَى لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالنَّائِبِ، لَكِنَّهُ تَعَالَى رَخَّصَ فِي إسْقَاطِهِ بِتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ الْمُسْتَمِرِّ إلَى الْمَوْتِ رَحْمَةً وَفَضْلًا، بِأَنْ تُدْفَعَ نَفَقَةُ الْحَجِّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلتَّعْمِيمِ وَبَيَانٌ لِوَجْهِ إنَابَةِ الذِّمِّيِّ فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَشْرُوطِ لَهَا النِّيَّةُ بِأَنَّ الشَّرْطَ نِيَّةُ الْأَصْلِ دُونَ النَّائِبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ) دَخَلَ فِي التَّعْمِيمِ مَا لَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَقْتَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ أَوْ وَقْتَ دَفْعِ الْوَكِيلِ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ عَزَلَهَا وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تَشْمَلُهَا وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ دَفَعَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَى الْفَقِيرِ بِنَفْسِهِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ وَقْتَ الدَّفْعِ حُكْمًا. وَعَلَيْهِ يُمْكِنُ دُخُولُهَا أَيْضًا فِي قَوْلِ الْبَحْرِ وَقْتَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ نَوَى بَعْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ إلَى الْفَقِيرِ وَهِيَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ بِنَفْسِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصَوْمٍ) مَعْنَى كَوْنِهِ بَدَنِيًّا أَنَّ فِيهِ تَرْكَ أَعْمَالِ الْبَدَنِ نَهْرٌ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ: أَيْ مَنْعُ النَّفْسِ عَنْ تَنَاوُلِهَا، وَالْمَنْعُ مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَكَّبَةُ مِنْهُمَا) قَالَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ: جَعْلُ الْمَالِ فِي الْحَجِّ شَرْطَ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَكُنْ الْحَجُّ مُرَكَّبًا مِنْ الْبَدَنِ وَالْمَالِ.
قُلْت: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْمَالُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ إلَى عَرَفَاتٍ. وَفِي قَاضِي خَانْ: الْحَجُّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ اهـ وَكَوْنُ الْحَجِّ يُشْتَرَطُ لَهُ الِاسْتِطَاعَةُ وَهِيَ مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْحَجَّ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَالِ، لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ، وَالشَّيْءَ لَا يَتَرَكَّبُ مِنْ شَرْطِهِ؛ كَمَا أَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ يُشْتَرَطُ لَهَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالْمَاءُ لِلطَّهَارَةِ وَهُمَا بِالْمَالِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْمَالِ اهـ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ كَحَجِّ الْفَرْضِ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَيَّدَ بِهِ نَظَرُ الشَّرْطِ دَوَامَ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّ الْحَجَّ النَّفَلَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَجْزٍ فَضْلًا عَنْ دَوَامِهِ كَمَا سَتَأْتِي ح وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ الْجِهَادُ لَا مِنْ قِسْمِ الْبَدَنِيَّةِ فَقَطْ كَمَا تُوُهِّمَ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْحَجِّ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ؛ أَمَّا الْحَجُّ فَقَدْ يَكُونُ بِلَا مَالٍ كَحَجِّ الْمَكِّيِّ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ) تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ دَوَامِ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ أَيْ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ عَجْزٌ مُسْتَوْعِبٌ لِبَقِيَّةِ الْعُمْرِ لِيَقَعَ بِهِ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ ابْنُ كَمَالٍ عَنْ الْكَافِي فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ] مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ عَلَى الْعَاجِزِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ زَيْلَعِيٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ عَجَزَ لَزِمَهُ الْإِحْجَاجُ اتِّفَاقًا، أَمَّا مَنْ لَمْ يَمْلِكْ مَالًا حَتَّى عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ صِحَّةَ الْبَدَنِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُ، وَلِوُجُوبِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْحَجِّ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ هُوَ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ حَتَّى تَلْزَمَ الْإِعَادَةُ بِزَوَالِ الْعُذْرِ) أَيْ الْعُذْرِ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْحَبْسِ وَالْمَرَضِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَمَى فَلَا إعَادَةَ لَوْ زَالَ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ نِيَّةِ الْحَجِّ عَنْهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute