للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالثَّوَابِ فَلَهُ جَعْلُهُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا،

ــ

[رد المحتار]

الْوَارِثَ إذَا حَجَّ أَوْ أَحَجَّ عَنْ مُوَرِّثِهِ جَازَ لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً: أَيْ فَكَأَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَتِهِ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْعَامِلِ، فَقَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو إلَخْ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا فَرْضٌ لَمْ يُوصِيَا بِهِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ تَعْلِيلَهُ بِالنَّصِّ أَيْضًا وَهُوَ مَا عَلِمْته مِنْ حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْوَارِثُ الْأَجْنَبِيَّ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَالسَّرُوجِيِّ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ كَذَلِكَ، نَعَمْ هَذَا مُخَالِفٌ لِاشْتِرَاطِ الْأَمْرِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَالْأَجْنَبِيُّ غَيْرٌ مَأْمُورٌ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً، وَقَدَّمْنَا الْجَوَابَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ، وَحَيْثُ عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْوَارِثِ دَلَالَةٌ ظَهَرَ لِاقْتِصَارِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْأَمْرَ دَلَالَةً لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَمْرِ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَوْ أَمَرَاهُ حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرَاهُ صَرِيحًا صَحَّ التَّعْيِينُ.

وَلَوْ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ ابْتِدَاءً فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَا يَصِحُّ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً فَفَرَضُوهَا فِي الْأَبَوَيْنِ لِإِفَادَةِ صِحَّةِ التَّعْيِينِ وَإِنْ وُجِدَ الْأَمْرُ دَلَالَةً وَلِيُفِيدُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْأَمْرُ صَرِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ] الَّذِي تَحَصَّلَ لَنَا مِنْ مَجْمُوعِ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ شَخْصَيْنِ، فَإِنْ أَمَرَاهُ بِالْحَجِّ وَقَعَ حَجُّهُ عَنْ نَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ جَعْلُ ثَوَابِهِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرَاهُ فَكَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ وَارِثًا وَكَانَ عَلَى الْمَيِّتِ حَجُّ الْفَرْضِ وَلَمْ يُوصِ بِهِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِلْأَمْرِ دَلَالَةً وَلِلنَّصِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِأَنَّ غَرَضَهُ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالثَّوَابِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ صِحَّةِ التَّعْيِينِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبَوَيْنِ دُونَ مَسْأَلَةِ الْآمِرِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ: وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو لِعَدَمِ الْأَمْرِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ إلَخْ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت: وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْحَجِّ عَنْ الْفَاعِلِ، فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ وَإِنْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي رَوَاهَا فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جِدًّا. لِمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْن أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقُبِّلَ مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» ". اهـ.

أَقُولُ: قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حَجَّ الْوَارِثُ عَنْهُمَا وَعَلَى أَحَدِهِمَا فَرْضٌ لَمْ يُوصِ بِهِ يَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْضًا وَقَدْ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَأَجَزْنَا صَرْفَهُ، نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَرْضٌ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ أَصْلًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا يُجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابُ وَتَرَتُّبُهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ: وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ثَوَابُ فِعْلِهِ لَهُمَا. وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَجَعْلُ ثَوَابِ حَجِّهِ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ، فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّوَابَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَقَعْ لَهُمَا وَأَنَّ الْأَعْمَالَ وَقَعَتْ لَهُ فَلَهُ جَعْلُ ثَوَابِهَا لِمَنْ شَاءَ بَعْدَ الْأَدَاءِ، فَيُمْكِنُ ادِّعَاءُ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ الْفَاعِلِ بِذَلِكَ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرَيْنِ، وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَازُ جَعْلِ الْإِنْسَانِ ثَوَابَ فَرْضِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضٌ لَمْ يُوصِ بِهِ وَسَقَطَ بِهِ فَرْضُ الْمَيِّتِ يَلْزَمُ مِنْهُ وُقُوعُ النِّيَّةِ وَالْأَعْمَالِ لَهُ لَا لِلْفَاعِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>