للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ وَإِنْ ضُعِّفَ فَلَهُ شَوَاهِدُ تُصَحِّحُهُ وَالْآيَةُ أَيْضًا تُؤَيِّدُهُ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» " لَكِنْ ذَكَرَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ تَحْبَطُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ، حَتَّى لَوْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ تَأْكِيدًا فِي بِشَارَتِهِ وَتَرْغِيبًا فِي مُبَايَعَتِهِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يُكَفِّرَانِ الْمَظَالِمَ وَلَا يُقْطَعُ فِيهِمَا بِمَحْوِ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرَانِ الصَّغَائِرَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَالْكَبَائِرُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ أَحَدٍ كَإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ اهـ مُلَخَّصًا، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الطِّيبِيِّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ إنَّ الشَّارِحِينَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَمَشَى الطِّيبِيِّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ الْكَبَائِرَ وَالْمَظَالِمَ، وَوَقَعَ مُنَازَعَةٌ غَرِيبَةٌ بَيْنَ أَمِيرِ بَادْشَاهْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ مَالَ إلَى قَوْلِ الطِّيبِيِّ وَبَيْنَ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ مَالَ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَكَتَبْتُ رِسَالَةً فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ.

قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَيْلُ إلَى تَكْفِيرِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ مَشَى الْإِمَامُ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَاسَ عَلَيْهِ الشَّهِيدُ الصَّابِرُ الْمُحْتَسِبُ، وَعَزَاهُ أَيْضًا الْمُنَاوِيُّ إلَى الْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ» إلَخْ فَقَالَ: وَهُوَ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ وَالتَّبَعَاتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَظَالِمِ عَلَى مَنْ تَابَ وَعَجَزَ عَنْ وَفَائِهَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا الْعِبَادِ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَقُّ نَفْسُهُ بَلْ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ يَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ تَأْخِيرِهَا لَا نَفْسُهَا، فَلَوْ أَخَّرَهَا بَعْدُ تَجَدَّدَ إثْمٌ آخَرُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ الْبُرْهَانُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ» لَا يَتَنَاوَلُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ عِبَادِهِ لِأَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَتْ ذَنْبًا وَإِنَّمَا الذَّنْبُ الْمَطْلُ فِيهَا، فَاَلَّذِي يَسْقُطُ إثْمُ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَأْخِيرُ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ وَتَأْخِيرُ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى، فَيَسْقُطُ إثْمُ التَّأْخِيرِ فَقَطْ عَمَّا مَضَى دُونَ الْأَصْلِ وَدُونَ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَيْسَ مَعْنَى التَّكْفِيرِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ. اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ كَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِاقْتِضَائِهِ كَمَا قَالَ ح سُقُوطَ نَفْسِ الْحَقِّ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا عَلِمْتَهُ بَلْ هَذَا الْحُكْمُ يَخُصُّ الْحَرْبِيَّ كَمَا مَرَّ عَنْ الْأَكْمَلِ. قُلْتُ: قَدْ يُقَالُ بِسُقُوطِ نَفْسِ الْحَقِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْمَقْدِرَةِ عَلَى أَدَائِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقَّ عِبَادِهِ، وَلَيْسَ فِي تَرِكَتِهِ مَا يَفِي بِهِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ إثْمُ التَّأْخِيرِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إثْمٌ بَعْدَهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ سُقُوطِ نَفْسِ الْحَقِّ، أَمَّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يُرْضِي خَصْمَهُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْقَائِلِينَ بِتَكْفِيرِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهَا مَحَلٌّ، عَلَى أَنَّ نَفْسَ مَطْلِ الدَّيْنِ حَقُّ عَبْدٍ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْهُ، فَحَيْثُ قَالُوا بِسُقُوطِهِ فَلْيَسْقُطْ نَفْسُ الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عِيَاضٍ، لَكِنَّ تَقْيِيدَ عِيَاضٍ بِالتَّوْبَةِ وَالْعَجْزِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مُكَفِّرَةٌ بِنَفْسِهَا وَهِيَ إنَّمَا تُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>