لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا إذْنًا، وَإِجَازَةٌ فِي الثَّانِي إنْ بَقِيَ النِّكَاحُ لَا لَوْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ: زَوَّجَنِي أَبِي بِأَمْرِي وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ لَهَا فَتَرِثُ وَتَعْتَدُّ، وَلَوْ قَالَتْ: بِغَيْرِ أَمْرِي لَكِنَّهُ بَلَّغَنِي فَرَضِيت فَالْقَوْلُ لَهُمْ وَقَوْلُهَا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ رُدَّ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا بَعْدَهُ. وَلَوْ زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ فَسُكُوتُهَا رُدَّ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ، وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا فِي مُعَيَّنٍ فَرَدَّتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَسَكَتَتْ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَّغَهَا فَرَدَّتْ ثُمَّ قَالَتْ: رَضِيت لَمْ يَجُزْ لِبُطْلَانِهِ بِالرَّدِّ، وَلِذَا اسْتَحْسَنُوا التَّجْدِيدَ عِنْدَ الزِّفَافِ لِأَنَّ الْغَالِبَ إظْهَارُ النُّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ فَوَكَّلَ مَنْ يُزَوِّجُهَا
ــ
[رد المحتار]
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي الْإِجَازَةِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي التَّوْكِيلِ: أَيْ الْإِذْنُ قَبْلَ الْعَقْدِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنْ زَوَّجَاهَا مَعًا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْذَنَاهَا فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَاهَا مُتَعَاقِبًا مِنْ رَجُلَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ السَّابِقُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِجَازَةٌ) عَطْفٌ عَلَى تَوْكِيلٍ، وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِي أَيْ فَبِمَا اسْتَأْذَنَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ بَعْدَ الْعَقْدِ رِضًا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا الْخِلَافَ أَيْضًا فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ فَبَلَّغَهَا فَسَكَتَتْ (قَوْلُهُ لَا لَوْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ شَرْطُهَا قِيَامُ الْعَقْدِ بَحْرٌ (وَقَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُكَلَّفَ لَا يَعْقِدُ إلَّا الْعَقْدَ الصَّحِيحَ النَّافِذَ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُمْ) لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ تَامٍّ، ثُمَّ ادَّعَتْ النَّفَاذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا لِمَكَانِ التُّهْمَةِ بَحْرٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَرِثُ وَهَلْ تَعْتَدُّ؟ فَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِلَّا فَلَا. نَعَمْ لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ تُمْنَعُ مُؤَاخَذَةً لَهَا بِقَوْلِهَا، وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَتْ فَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ ادَّعَتْ الْعِدَّةَ فَقَالَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُك بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ. اهـ.
فَلَعَلَّهُ يُقَالُ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ إقْرَارَهَا السَّابِقَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُهَا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ هَذَا الزَّوْجِ (قَوْلُهُ رُدَّ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا بَعْدَهُ) فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِذْنُ وَعَدَمُهُ فَقَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحَ، فَلَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ وَبَعْدَهُ كَانَ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا إلَّا بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَهِيَ بَعْدَ الْإِذْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ فِيهِمَا بَحْرٌ. وَأَصْلُ الْإِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَهُ مَا يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ تَقْرِيرًا لَهُ وَكَوْنُهُ رَدًّا تَرَجَّحَ بِوُقُوعِهِ احْتِمَالُ التَّقْرِيرِ، وَإِذَا وَرَدَ قَبْلَهُ مَا يَحْتَمِلُ الْإِذْنَ وَعَدَمَهُ تَرَجَّحَ الرَّدُّ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ إيقَاعِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِذْنِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ زَوَّجَهَا أَيْ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ تَزَوَّجَهَا كَابْنِ الْعَمِّ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ الْبِكْرَ الْبَالِغَ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَبَلَّغَهَا فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا لِأَنَّهُ كَانَ أَصِيلًا فِي نَفْسِهِ فُضُولِيًّا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعَقْدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَعْمَلُ الرِّضَا، وَلَوْ اسْتَأْمَرَهَا فِي التَّزْوِيجِ مِنْ نَفْسِهِ فَسَكَتَتْ، جَازَ إجْمَاعًا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْفُضُولِيَّ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَقْدُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَهُمَا بَلْ يَقَعُ بَاطِلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَصِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ فُضُولِيٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ اتِّفَاقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْكَفَاءَةِ (قَوْلُهُ فَسَكَتَتْ) أَمَّا لَوْ قَالَتْ حِينَ بَلَّغَهَا قَدْ كُنْت قُلْت إنِّي لَا أُرِيدُ فُلَانًا وَلَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّهَا عَلَى إبَائِهَا الْأَوَّلِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَّغَهَا إلَخْ) لِأَنَّ نَفَاذَ التَّزْوِيجِ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، وَقَدْ بَطَلَ بِالرَّدِّ وَالرَّدُّ فِي الْأَوَّلِ كَانَ لِلِاسْتِئْذَانِ لَا لِلتَّزَوُّجِ الْعَارِضِ بَعْدَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ الصَّرِيحَ يُضْعِفُ كَوْنَ ذَلِكَ السُّكُوتِ دَلَالَةَ الرِّضَا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ تَكُونُ عَلِمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُسْنِ حَالِهِ، وَقَدْ يَكُونُ رَدُّهَا الْأَوَّلُ حَيَاءً لِمَا عَلِمَتْهُ مِنْ أَنَّ الْغَالِبَ إظْهَارُ النُّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى امْتِنَاعِهَا الْأَوَّلِ لَصَرَّحَتْ بِالرَّدِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا وَلَمْ تَسْتَحِ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute