رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ نَاقِضٌ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ صَارَ ذَا عُذْرٍ مُجْتَبَى، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ.
(كَمَا) يَنْقُضُ (لَوْ حَشَا إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ وَابْتَلَّ الطَّرْفُ الظَّاهِرُ) هَذَا لَوْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةٌ أَوْ مُحَاذِيَةٌ لِرَأْسِ الْإِحْلِيلِ
ــ
[رد المحتار]
فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ اهـ: أَيْ الْحَصْرُ بِقَوْلِهِ لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْخُرُوجَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ وَلَوْ بِلَا أَلَمٍ، وَإِنَّمَا الْأَلَمُ شَرْطٌ لِلْمَاءِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُ الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ نَحْوِهَا دَمًا مُتَغَيِّرًا إلَّا بِالْعِلَّةِ وَالْأَلَمُ دَلِيلُهَا بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ.
وَلِذَا أَطْلَقُوا فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى التَّجَاوُزِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ فِي الْمُتُونِ وَلَا فِي الشُّرُوحِ بِالْأَلَمِ وَلَا بِالْعِلَّةِ، فَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْأُذُنِ مُشْكِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِإِطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: وَعَمْشٌ) هُوَ ضَعْفٌ لِرُؤْيَةٍ مَعَ سَيْلَانِ الدَّمِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ دُرَرٌ وَقَامُوسٌ (قَوْلُهُ: نَاقِضٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ وَتَسِيلُ الدُّمُوعُ مِنْهَا آمُرُهُ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مَا يَسِيلُ مِنْهَا صَدِيدًا فَيَكُونُ صَاحِبَ الْعُذْرِ. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ، إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عَلِمَ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بِعَلَامَاتٍ تَغْلِبُ ظَنَّ الْمُبْتَلَى، يَجِبُ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الزَّاهِدِيِّ عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَعَنْ هِشَامٍ فِي جَامِعِهِ إنْ كَانَ قَيْحًا فَكَالْمُسْتَحَاضَةِ وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْعَيْنِ مُتَغَيِّرًا اهـ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَلَيْهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَغَيِّرًا يَكُونُ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّعْلِيلُ بِالْخَوْفِ، وَقَدْ اسْتَدْرَكَ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّهُ صَاحِبُ عُذْرٍ فَكَانَ الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ اهـ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْمُجْتَبَى يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ (قَوْله الْمُجْتَبِي) عِبَارَتُهُ: الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَمَاءُ الْجُرْحِ وَالنَّفِطَةُ وَمَاءُ الْبَثْرَةِ وَالثَّدْيِ وَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُمْ: الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِعِلَّةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ فَسَالَ مِنْهَا مَاءٌ بِسَبَبِ الرَّمَدِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْخُرُوجِ لِعِلَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَجَعٌ، تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْغَرْبُ فِي الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ فِيمَا يَسِيلُ مِنْهُ فَهُوَ نَجَسٌ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالْغَرْبُ عِرْقٌ فِي مَجْرَى الدَّمْعِ يَسْقِي فَلَا يَنْقَطِعُ مِثْلُ الْبَاسُورِ. وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ: بِعَيْنِهِ غَرْبٌ إذَا كَانَتْ تَسِيلُ وَلَا تَنْقَطِعُ دُمُوعُهَا. وَالْغَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ: وَرَمٌ فِي الْمَآقِي، وَعَلَى ذَلِكَ صَحَّ التَّحْرِيكُ وَالتَّسْكِينُ فِي الْغَرْبِ. اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ سُئِلْت عَمَّنْ رَمِدَ وَسَالَ دَمْعُهُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ سَائِلًا بَعْدَ زَوَالِ الرَّمَدِ وَصَارَ يَخْرُجُ بِلَا وَجَعٍ، فَأَجَبْت بِالنَّقْضِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ لِأَنَّ عُرُوضَهُ مَعَ الرَّمَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لِعِلَّةٍ وَإِنْ كَانَ الْآنَ بِلَا رَمَدٍ وَلَا وَجَعٍ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: إحْلِيلَهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ النَّقْضُ بِمَا ذُكِرَ، وَمُرَادُهُ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الطَّرَفِ الظَّاهِرِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ عَالِيًا عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ: أَيْ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ رَأْسِهِ زَائِدًا عَلَيْهِ أَوْ مُحَاذِيًا لِرَأْسِهِ لِتَحَقُّقِ خُرُوجِ النَّجَسِ بِابْتِلَالِهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَلَّ الطَّرَفُ وَكَانَ مُتَسَفِّلًا عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَيْ غَائِبًا فِيهِ لَمْ يُحَاذِهِ وَلَمْ يَعُلْ فَوْقَهُ، فَإِنَّ ابْتِلَالَهُ غَيْرُ نَاقِضٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ خُرُوجٌ فَهُوَ كَابْتِلَالِ الطَّرَفِ الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute