للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَقَدْ بَسَطْت فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ تُسْتَرَقُّ وَتَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَشْتَرِيهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ لَوْ مَصْرِفًا. وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا وَلَهُ بَيْعُهَا مَا لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَتَكُونُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَجَمَ عَلَى نَائِحَةٍ فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَقَطَ خِمَارُهَا، فَقَالَ إنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا.

وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ حِينَ مَرَّ بِنِسَاءٍ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ كَاشِفَاتٍ الرُّءُوسَ وَالذِّرَاعَ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ تَمُرُّ؟ فَقَالَ، لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ إنَّمَا الشَّكُّ فِي إيمَانِهِنَّ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ

(وَبَقِيَ النِّكَاحُ

ــ

[رد المحتار]

فِي النَّوَادِرِ، وَلَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ الْمَشَاقِّ فِي تَجْدِيدِهَا فَضْلًا عَنْ جَبْرِهِ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحَدُّ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْعَجَمِ اُبْتُلِيَ بِامْرَأَةٍ تَقَعُ فِيمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَثِيرًا ثُمَّ تُنْكِرُ وَعَنْ التَّجْدِيدِ تَأْبَى، وَمِنْ الْقَوَاعِدِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ. اهـ.

قُلْت: الْمَشَقَّةُ فِي التَّجْدِيدِ لَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَئِمَّةِ بَلْخٍ أَوْلَى مِمَّا فِي النَّوَادِرِ، بَلْ أَوْلَى مِمَّا مَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّينَ لِأَنَّ مَا فِي النَّوَادِرِ هُوَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ تُسْتَرَقُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ بَسَطْت) أَيْ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ (قَوْلُهُ وَالْفَتْحُ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا تُسْتَرَقُّ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُسْتَرَقُّ اهـ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْفَتْحِ بَسَطَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ مَصْرِفًا، فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ حَسْمًا لِهَذَا الْأَمْرِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى، وَنَقَلَ قَوْلَهُ فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ إلَخْ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. اهـ.

قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إلَخْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَصْرِفًا لَا يَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ تَكُونُ فَيْئًا قَالَ ط: ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لِأَنَّ إسْلَامَ الرَّقِيقِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرِّقِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ) فِيهِ اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ. وَعِبَارَةُ الْقُنْيَةِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا بَعْدَ فِتْنَةِ التَّتَرِ الْعَامَّةِ صَارَتْ هَذِهِ الْوِلَايَةُ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا كَخَوَارِزْمَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَخُرَاسَانَ وَنَحْوِهَا صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَمْلِكُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهَا مِنْ الْإِمَامِ فَيُفْتَى بِحُكْمِ الرِّقِّ حَسْمًا لِكَيْدِ الْجَهَلَةِ وَمَكْرِ الْمَكَرَةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اهـ فَقَوْلُهُ يَمْلِكُهَا إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِفْتَاءِ بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ لِمَا ذَكذذَرَهُ مِنْ صَيْرُورَةِ دَارِهِمْ دَارَ حَرْبٍ فِي زَمَانِهِمْ فَيَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَلَهُ بَيْعُهَا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْقُنْيَةِ يَمْلِكُهَا وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَكُنْ إلَخْ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ لَحِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ ارْتِدَادِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا الزَّوْجُ يَعُودُ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدِهِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالدِّرَّةِ) بِالْكَسْرِ: السَّوْطُ وَالْجَمْعُ دِرَرٌ مِثْلَ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالذِّرَاعُ) أَلْ لِلْجِنْسِ وَالْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ الْأَذْرُعُ بِالْجَمْعِ ط (قَوْلُهُ فَقَالَ) تَأْكِيدٌ فَقَالَ الْأَوَّلُ ط وَالدَّاعِي إلَيْهِ طُولُ الْفَاصِلِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ) أَيْ فَهُنَّ فَيْءٌ مَمْلُوكَاتٌ وَالرَّأْسُ وَالذِّرَاعُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْ الرَّقِيقِ. وَوَجْهُ الْأَخْذِ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ إذَا سَقَطَتْ حُرْمَةُ النَّائِحَةِ تَسْقُطُ حُرْمَةُ هَؤُلَاءِ الْكَاشِفَاتِ رُءُوسَهُنَّ فِي مَمَرِّ الْأَجَانِبِ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ حَالِهِنَّ أَنَّهُنَّ مُسْتَخِفَّاتٌ مُسْتَهِينَاتٌ وَهَذَا سَبَبٌ مُسْقِطٌ لِحُرْمَتِهِنَّ فَافْهَمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>